من جهنم الأسعار للعين السخنة.. حكم القوي!
أقبل عليَّ مهموما مطأطئ الرأس وبدا وقد تمكن منه اليأس.. فبادرته بالسؤال: ماذا بك؟ وما سبب مظهرك المرعب؟ قال:
بلاش أقولَّك.. حالي يِدِلَّك.. هكذا كان ردُّه بذات النغمة الحزينة المؤلمة من مقام صبا الباكي كما غناها العندليب.
قلت له مواسيا: الحال من بعضه يا صاحبي، ولا داعي لهذا المود الذي يودي بك إلى الرفيق الأعلى بسرعة الصاروخ.
قال: أنا معك لكن كما يقول المصريون لو خيبة الناس السبت والحد، خيبتي أنا مش على حَد.. واستطرد قائلا:
يا سيدي.. لي بعض المبالغ لدى التجار مقابل أعمال قمت بها، إذ إنك تعلم أنني أوزع بضائع للتجار بجانب وظيفتي.. قبل العيد طالبت بها، فإذا بالرد التاريخي المأثور "إنت عارف إننا داخلين على عيد ومزنوقين والحالة طين".
اضطر إلى التذَرَّع بالصبر إلى أن يمر العيد، ثم أعاود طلب حقي، فأصطدم بالرد الأزلي المعروف أيضا "إنت عارف إننا خارجين من عيد ومزنوقين والحالة طين".. أي أنني رحت في الكازوزة في دَخْلَة العيد وخَرْجَتِه، وصرت على حافة السقوط والغرق في بحر ارتفاع الأسعار الذي تلاطم أمواجه المطحونين أمثالي.
قلت: كلنا في الهوا سوا.. قال: لا.. اصبر قليلا، ألم أقل لك إن الناس خيبتها السبت والحد وأنا خيبتي مش على حد؟ قلت: إنت أكيد مليان وشايل.. احكي إيه اللي حصل؟ قال:
الهانم عقدت العزم على قضاء إجازة قبل أن يمر الصيف في مصيف العين السخنة، وكان الحال قد بلغ بروحي إلى الحلقوم، ووصل إلى ما يستوجب التسول لهبوب عاصفة ارتفاع الأسعار، ومداهمة مباغتة للعيد وموسم المدارس، وأنا أدعو اللهم اسبغ علينا سترك، ولا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا من حيتان الدروس الخصوصية.. فشلت كل محاولاتي لإلغاء فكرتها، أمام إصرارها بصورة وصلت إلى حد التهديد بالخُلع والثُّبور وعظائم الأمور.
سلمت أمري لله ووافقت، لكن ربك ألهمني بفكرة في خطة جهنمية تجبرها على إلغاء المصيف، وقررت تنفيذها في وقت قاتل بحيث يجبر المفترية على إلغاء الرحلة.
حانت ساعة الصفر وكانت لحظة ركوبنا أنا وهي والعيال ميكروباص خاص استأجرناه لتوصيلنا للعين السخنة.. وضعنا الحقائب وكل الأغراض في الميكروباص وصعد العيال وأمهم، ووقفت أنا عند باب الميكروباص ألقي نظرة أخيرة للاطمئنان على الأغراض والعيال، وفجأة تظاهرت بأنني على وشك الدخول في حالة إغماء، وألقيت جسدي على الأرض كما لو كان جوال قلقاس سقط من عربة كارو مسرعة، ثم تظاهرت بأنني قطعت النَّفَس، فصرخ العيال هَلَعًا، ونزل سائق الميكروباص مسرعا نحوي، وهَمَّ بحملي قائلا لنذهب به إلى مستشفى عين الصيرة فورا، ابن عمي عامل نظافة هناك وهايخدمنا.. كانت زوجتي واقفة في شموخ وثبات يوحيان بأنها ستواجه الموقف بتعقل وتفكير صائب.. فقالت للسائق ولا ابن عمك ولا ابن خالك، شيله وحُطُّه في الميكروباص وعلى ما نوصل العين السخنة يكون فاق.
انتهى من حكايته العجيبة، فوددت التخفيف عليه وقلت هون عليك يا عزيزي.. أزمة تفوت ولاحد يموت.. قال بضجر واضح:
ياعم إنت مش عارف حاجة أنا مابقيتش قادر على استمرار العيشة مع المفترية دي، بقيت حاسس إني عايش مع واحد صاحبي مش مع واحدة ست لطيفة رقيقة حنينة.. فقلت لا بد أن تستمر الحياة.. فانتفض وصاح بغضب شديد: إنت هاتعمل زي الشيخ اللى قالوا له الحَق يا مولانا هايقَنِّنوا زواج الرجالة الشواذ؟!! فقال ببرود شديد وماله يااخوانَّا مش أحسن ما يعيشوا مع بعض في الحرام!