لا تعايرونا..الشعب هو الذي يدعم الحكومة
لا يمر يوم حتى يخرج علينا أحد كبار المسئولين ليعاير الشعب بما يتم إنفاقه على الدعم من دعم الخبز لدعم الطاقة والتعليم والصحة إلى آخر باقى ما يتم ترديده، وقدرت الحكومة الحالية ما تروج أنه دعم تقدمه للمصريين بنحو 230 مليار جنيه هذا العام.
الحقيقة أنى منذ فترة وأنا أتشكك في وجود هذا الدعم وأحس أن معظمه يتم الاستيلاء عليه من قبل كبار الفاسدين وقد جاءت قضية كشف الفساد في صوامع القمح، والتي من المتوقع أن تظهر نهب المليارات في عملية الادعاء بالتخزين وحدها وفى عام واحد لتظهر أن هذه قمة جبل الجليد في موضوع نهب أموال الدعم الذي يعير الشعب به صباحا و مساء.
وقد يعلم الكثيرون أنى ضد الدعم العينى الذي انتهى من معظم دول العالم حتى أقلعت عنه الدول الشيوعية نفسها بعد ثبوت عدم جدواه وما يسببه من فساد وأن استمراره وتضخيمه سياسيا في ما تبقى من دول هو لأغراض فاسدة لا علاقة لها بالشعب الذي يتم استخدامه كحجة لنهب المال العام والاستعراض السياسي للتهرب من المسئولية.
جلست أفكر، فلاحظت في السيارات الصغيرة التي يبلغ ثمنها في الدول الغربية والعربية أقل من نصف ثمنها في مصر بسبب الجمارك والضرائب التي تفرض عليها والتي تجعل فارق السعر يتعدى دعم أقصى كمية بنزين يمكن للسيارة استخدامها في عشر سنوات هي عمر السيارة الافتراضى أي أن دعم البنزين ليس دعما حقيقيا وإنما هو جزء مما يدفعه مالك السيارة من رسوم الجمارك والضرائب عند شرائها.
ثم نأتى إلى التعليم الذي يشهد تدهورا غير مسبوق في مستوى مؤسسات التعليم العامة لأسباب معروفة يطول شرحها، وفى مقدمتها غياب الإدارة السياسية في اعتبار إصلاح التعليم أولوية، إلا أن التقديرات التى تنشر للإنفاق غير الحكومى على التعليم من دروس خصوصية ومصاريف مدارس خاصة ومستلزمات مدرسية يقترب من 70 مليار جنيه كان من المفروض أن توفر الحكومة مثلها أو أكثر للوصول بالتعليم العام إلى المستوى المقبول إلا أن عدم الاهتمام بالتعليم يكلف الشعب عشرات المليارات وينشر الفساد ويضيع الهوية الوطنية باستشراء التعليم الأجنبى خاصة بين طبقات المثقفين.
ثم تأتى الصحة، حيث تشير إحصاءات البنك الدولى أن الإنفاق الكلى على الصحة في الأعوام الماضية بين 100 و120 مليار جنيه منها نحو 40 مليار جنيه إنفاق حكومى والباقى إنفاق من جيوب المواطنين يضطرون لدفعه لتدهور مستويات الخدمة الصحية العامة التي من المفروض أن تقدمها الدولة.
ثم نأتى إلى رواتب العاملين بالدولة، حيث نفذت الحكومة الحد الأدنى للأجور والذي يمنح الموظف أقل من دولار في الساعة، بينما يبلغ الحد الأدنى للأجر في الغرب أكثر من 10 دولارات في الساعة، أي أن كل من يعمل بالدولة يدعم الحكومة بـ9 دولارات في الساعة الواحدة، وإذا كان أقل موظف يعمل 40 ساعة أسبوعيا أي 180 ساعة شهريا أي أن كل من يعمل بالدولة يدعمها بأكثر من ألف وخمسمائة دولار شهريا، أي ما يقارب خمسة عشر ألف جنيه، وهو ما يعادل أكثر من 180 ألف جنيه سنويا، أي أن العاملين بالدولة المصرية وعددهم يتعدى الستة ملايين، والذين يهددون كل يوم بالتخلص منهم يدعمون الدولة بأكثر من ألف مليار جنيه سنويا.
ثم نأتى إلى الإسكان، حيث إن التقديرات تقول إن أكثر من مليون من أصحاب الشقق التي تم تأجيرها من عشرات السنين ويقل إيجارها عن القيمة الحقيقية للإيجار بألف جنيه على الأقل أي مليار جنيه شهريا و12 مليار جنيه سنويا، وغير ذلك في مجالات كثيرة حتى إن تقديراتى الشخصية أن الشعب المصرى يدعم الدولة المصرية بأكثر من 1300 مليار جنيه سنويا، وأن معايرات المسئولين للشعب بما يسمونه الدعم والذي يسرق معظمه من قبل مقربين من أروقة الحكم لا تصح وهى محاولات للتهرب من المسئولية كحجة البليد !