رئيس التحرير
عصام كامل

جذور قضية التمويل الأجنبي.. اتهام 400 منظمة مجتمع مدني البداية.. واحتجاز 19 أمريكيًا يشعل الأزمة دوليًا.. اتهامات بالعمالة لـ43 مصريا.. الكونجرس هدد بإلغاء المعونة.. وفايزة أبوالنجا الصندوق الأسود

فايزة أبوالنجا
فايزة أبوالنجا

في الوقت الذي ينتصر فيه القضاء الإداري للجمعيات الأهلية المصرية، ويؤكد على أحقيتها في تلقى منح وتمويلات خارجية، وفقًا لقانون رقم 84 لسنه 2002، بحكم صريح صدر في بداية سبتمبر الجاري أقرته الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة قضى بالسماح لهذه الجمعيات بتلقي أموال خارجية معلومة المصدر، للمساهمة في قضايا التنمية داخل جمهورية مصر العربية، يتفاجأ الجميع وبعد أيام قليلة من هذا القرار بالتحفظ على أموال عدد من الناشطين البارزين في مجال حقوق الإنسان، إضافة إلى تأكيد قرار المنع من السفر.


التمويل الأجنبي
قضية التمويل الأجنبي قديمة ومثار جدل مصري ودولي، تحمل في تطوراتها وملابساتها الكثير من الأسرار، القضية رقم 173 لعام 2011م المعروفة إعلاميًا بـ«قضية التمويل الأجنبي»، المتهم فيها عدد من منظمات المجتمع المدني الأجنبية والمصرية، التي أعيد فتحها مجددًا ونجم عنها التحفظ على أموال عدد من الناشطين الحقوقيين ومجموعة من المراكز الحقوقية المتهمة على خلفية القضية.

تأثر المصالح الأمريكية
ترجع جذور قضية التمويل الأجنبي، عقب نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير في الإطاحة بنظام مبارك في الحادي عشر من فبراير 2011، بدأت تظهر في الأفق بوادر لتوتر في العلاقات الأمريكية – المصرية، للتغير الحادث في السياسة الخارجية لمصر الثورة على الصعيدين الإقليمي والدولي بما يؤثر في المصالح الأمريكية في المنطقة.

فتح القضية
يبدو أن هذا التوتر بدأ يطفو إلى السطح مع مداهمة السلطات الأمنية المصرية مع نهاية 2011م إبان حكم المجلس العسكري للبلاد، لـ400 منظمة من منظمات المجتمع المدني، وإحالة السلطات القضائية المصرية 43 من العاملين بتلك المنظمات، بينهم 19 أمريكيًا، إضافة إلى أجانب من جنسيات أخرى ومصريين، إلى محاكمة جنائية.

المعونة الأمريكية ورقة ضغط
وفي الوقت الذي مارست فيه واشنطن كافة وسائل الضغط على النظام الانتقالي في مصر للتراجع عن قراره بتقديم أمريكيين للقضاء المصري ضمن متهمين آخرين بسبب تمويل منظمات المجتمع المدني العاملة في مصر، رفضت القاهرة تلك المطالب الأمريكية، في ظل تلويح واشنطن بورقة المساعدات.

بوادر أزمة منظمات المجتمع المدني
أزمة التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني المصري ليست وليدة المداهمات الأمنية لعدد من المنظمات العاملة في مصر، وتقديم مسئوليها للقضاء المصري، والتحفظ على أموال البعض الآخر، لكنها بدأت تلوح في الأفق مع إعلان السفيرة الأمريكية "آن باترسون" أمام لجنة الشئون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكية، أن 600 منظمة مصرية تقدمت بطلبات للحصول على منح مالية أمريكية لدعم المجتمع المدني، وأن الولايات المتحدة قدمت 40 مليون دولار خلال خمسة أشهر لمنظمات المجتمع المدني لدعم الديمقراطية في مصر، بمعدل 8 ملايين دولار كل شهر.

المتورطون الأمريكان
أ
تهمت سلطات التحقيق المصرية أربع منظمات أمريكية، وهي «المعهد الجمهوري الدولي» الذي يترأسه السيناتور عن ولاية أريزونا، «جون ماكين»، المرشح الرئاسي السابق، و«المعهد الديمقراطي الوطني» الذي أسسته وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، ومنظمة «بيت الحرية»، و«المركز الدولي الأمريكي للصحفيين» باختراق القوانين المصرية، وممارسة أعمال سياسية وليست حقوقية، ودفع أموال طائلة لشخصيات وجهات مصرية، حسبما أشار قاضيا التحقيق في ملف المنظمات غير الحكومية، أشرف العشماوي وسامح أبو زيد، في المؤتمر الصحفي الذي عقد في الثامن من فبراير 2012، ومن أبرز التسعة عشر أمريكيا متهما في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني "سام لحود"، مدير مكتب "المعهد الجمهوري الدولي" في القاهرة، ونجل وزير النقل الأمريكي "راي لحود"

مؤشرات توتر العلاقات
وضح التوتر الواقع في العلاقات الأمريكية – المصرية، على خلفية أزمة تمويل منظمات المجتمع المدني، في تهديد الكونجرس الأمريكي ومسئولي الإدارة الأمريكية، وفي مقدمتهم وزيرة الخارجية الأمريكية «هيلاري كلينتون»، أثناء حضورها مؤتمر الأمن بمدنية ميونيخ الألمانية بقطع المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية للقاهرة، والتي تقدر بـ 1.3 مليار دولار، فضلا عن 250 مليون دولار. 

تحذيرات أمريكية
لم تكن تحذيرات وزيرة الخارجية الأمريكية، بقطع المعونة عن مصر هي الأولى من نوعها، فسبقها تحذير السيناتور «باتريك ليهي»، رئيس اللجنة الفرعية بمجلس الشيوخ، المسئولة عن الاعتمادات، من خطورة المسلك الذي تتخذه القاهرة، مؤكدا أن "بوسع الكونجرس وقف كل أشكال المساعدات الأمريكية لمصر، ما لم تتوقف هذه الحملة الشرسة على جماعات ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية العاملة في مصر بتمويل من الإدارة الأمريكية" وأضاف ليهي أن "زمن الشيكات على بياض انتهى".

وفي سياق متصل، حذر أكثر من 40 نائبا أمريكيا، في رسالتين مشتركتين، وزيرة الخارجية «هيلاري كلينتون»، ووزير الدفاع "ليون بانيتا"، والمشير "محمد حسين طنطاوي"، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، من أن المساعدات الأمريكية لمصر في وضع خطير. كما أشار البيت الأبيض علنًا إلى أنه طرح موضوع مراجعة المساعدات الأمريكية، فقال الناطق باسم البيت الأبيض "جاي كارني" إن الخطوات المصرية ضد منظمات المجتمع المدني ستكون لها تداعيات على العلاقات الأمريكية – المصرية، بما في ذلك برنامج المساعدات الأمريكية لمصر.

إلغاء اجتماع مشترك
نتيجة لتصاعد الدعوات والمطالب داخل الكونجرس الأمريكي وباقي مؤسسات الحكم الأمريكية بقطع المساعدات الأمريكية للقاهرة، بما فيها العسكرية، على خلفية احتجاز الأمريكيين في مصر، ألغى الوفد العسكري المصري بشكل مفاجئ اجتماعا كان مقررا له مع عدد من أعضاء مجلسي الكونجرس -مجلس النواب ومجلس الشيوخ-

الصندوق الأسود للقضية
فايزة أبو النجا، الصندوق الأسود في قضية التمويل الأجنبي كما يطلق عليها البعض، قالت في كلمة لها أمام لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب عام 2012 بخصوص أزمة التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، إن الفترة من مارس حتى يونيو 2011، شهدت تمويلًا أمريكيا لمنظمات المجتمع المدني، بلغ 175 مليون دولار، بينما لم يتجاوز هذا التمويل في 4 سنوات من 2006 حتى 2010، مبلغ 60 مليون دولار فقط.

المنع من السفر
مُنع المتهمون من السفر إلى خارج مصر حيث أنّ سام لحّود ذهب لمطار القاهرة الدولي للسفر للخارج وتم منعه، ذهب المتهمون الأمريكيون لسفارة الولايات المتحدة في مصر وطلبوا اللجوء خوفا على سلامتهم الشخصية ولكن السفارة لم تعطهم حق اللجوء لأنها رأت أن لا شيء يهدد سلامتهم الشخصية.

بدء التحقيقات
وبدأت محكمة جنايات شمال القاهرة في 26 فبراير 2012 أوّل جلسة للنظر في القضية وقد حضر كل المتهمين المصريين الـ14 بينما تغيّب كل المتهمين الأجانب، وتنحّت هيئة محكمة جنايات شمال القاهرة عن النظر في القضية لـ"استشعار الحرج" لذلك، وتم في 29 فبراير رفع حظر السفر للخارج عن المتهمين في القضية وتم تسفير المتهمين الأجانب في مارس من نفس العام. 

إعادة فتح القضية
وفوجيء الجميع في مارس من عام 2016 بعد مرور 4 سنوات على القضية أن قاضي التحقيقات المستشار هشام عبد المجيد، أعاد فتح القضية رقم 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلاميا بقضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، بعد مرور خمس سنوات، لورود معلومات جديدة حول القضية، حيث أُسندت التحقيقات في القضية إلى هيئة تحقيق مكونة من 3 قضاة، هم المستشارون هشام عبدالمجيد، وأحمد عبد التواب، وخالد الغمري.

الاتهامات
وتنوعت اتهامات القضية ما بين تأسيس وإدارة فروع لمنظمة دولية بغير ترخيص، وتسلم وقبول أموال ومنافع من هيئات خارج مصر لتأسيس فروع لمنظمات دولية، والاشتراك عن طريق الاتفاق والمساعدة على ارتكاب جريمة إدارة فروع لمنظمات ذات صفة دولية دون ترخيص في مصر.

المنظمات المتهمة في القضية
ومن أبرز المؤسسات التي جاءت نتائج التقرير بمخالفتهم، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، المعهد المصري الديموقراطي، المصري للحقوق الاقتصادية، مركز هشام مبارك للقانون، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المنظمة العربية للإصلاح القانوني، مركز الأرض لحقوق الإنسان، مركز دار المستقبل للاستشارات القانونية، الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، المكتب العربى للقانون، المؤسسة العربية لدعم المجتمع، مؤسسة التعزيز الكامل للمرأة والمجتمع، المركز المصرى لحقوق التعليم، محامو العدل والسلام، وسط تنديد دولي بفتح القضية والتضييق على هذه المنظمات.
الجريدة الرسمية