رئيس التحرير
عصام كامل

دراسة أمريكية: مصر على وشك الانهيار.. مخزون القمح انخفض لأدنى مستوياته.. سيناريو ساويرس يثير رعب المستثمرين المصريين والأجانب.. المساعدات الأمريكية لا تمثل سوى 10% فقط من الفجوة المالية

مخزون القمح- أرشيفية
مخزون القمح- أرشيفية

ذكرت دراسة أمريكية صادرة عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن عجز الميزانية فى مصر من المتوقع أن ينمو خلال الفترة القادمة، مما يعنى أن المساعدات الأمريكية، والتى تقدر بنحو 3 مليارات دولار، بما فى ذلك المساعدة العسكرية، تمثل حوالى 10% فقط من الفجوة المالية للقاهرة.



وأضافت الدراسة أن "مصر اعتادت طوال السنوات الماضية أن تحصل على المساعدات الأمريكية دون النظر إلى أى شىء آخر حتى لو كانت شروطا مفروضة من جانب الولايات المتحدة".

وقالت الدراسة إن "هذا يترك لواشنطن خيارين اقتصاديين قابلين للتنفيذ لربط المعونة الاقتصادية ببعض الشروط، مع ضرورة الإبقاء على المساعدات العسكرية كمسألة منفصلة، الخيار الأول من خلال فرض شروط سهلة أو دون وضع أية شروط على الإطلاق".

أما الخيار الثانى فهو "توحيد جميع المانحين وراء مظلة شروط مشتركة، أبرزها التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى، وهذا النهج سيمنح واشنطن المزيد من النفوذ، لأن إجمالى المساعدات الخارجية على المحك قد تصل إلى 15 مليار دولار أو أكثر".

وتشير الدراسة إلى أنه منذ اندلاع الثورة فى يناير 2011، تعانى مصر بشدة ركودا تضخميا يتعمق يوما بعد يوم، إذ لم يتجاوز النمو الاقتصادى خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2012 عتبة 2.2 فى المائة وفقا للبيانات الرسمية، فيما ارتفع التضخم فى فبراير 2013 إلى معدل سنوى بلغ 8.7 فى المائة وهو أعلى مستوى له منذ عام 2010.

وهذا المزيج وضع ضغوطا متزايدة على المصريين العاديين، الذين يواجهون أسعارا مرتفعة للسلع الأساسية مثل (الغذاء والدواء) فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة التى وصلت إلى 13 فى المائة فى الربع الأخير من عام 2012، بعد أن كانت 9.8 فى المائة خلال نفس الفترة من عام 2010، وهو ما يترجم إلى وجود 850.000 عاطل إضافى عن العمل.

وتعود هذه المشاكل إلى حد كبير لعاملين: أولا وقبل كل شىء، عدم الاستقرار السياسى الذى أدى إلى هجرة رءوس الأموال وأضر بالشركات المحلية. ثانيا عدم مرونة السياسات المالية والنقدية التى تتبعها القاهرة، لاسيما عجزها المتزايد فى الميزانية (نتيجة للدعم الكبير للغذاء الوقود) وجهودها للدفاع عن انخفاض قيمة الجنيه المصرى.

كما أن عدم الاستقرار السياسى الذى أعقب الثورة، التى لم تهدأ بعد، أدى إلى تدفق واسع النطاق للاستثمار الأجنبى المباشر ولاستثمارات المحافظ المالية.

ووفقا لـ "البنك المركزى المصرى"، بلغت هذه الخسائر418.1 مليون دولار و3.3 مليارات دولار على التوالى، فى النصف الثانى من عام 2011. وقد شجع هذا بدوره المصريين على تحويل ودائعهم إلى الدولار ونقل الأموال إلى الخارج، مما فاقم الضغوط على الجنيه، كما ارتفع عجز الموازنة ليصل إلى 17.7 مليار دولار فى تلك الفترة، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 27-34 مليار دولار بحلول يوليو. ومع التخفيض المتكرر لتصنيف مصر الائتمانى على المستوى الدولى، اضطرت الحكومة إلى تمويل هذا العجز الهائل من خلال الاعتماد بشكل شبه كامل على الديون المحلية، التى ارتفعت العام الماضى 34 مليار دولار لتصل إلى 184 مليار دولار، أو ما يقرب من 70 فى المائة من "الناتج المحلى الإجمالى".

وأدى ذلك إلى زيادة تكاليف الاقتراض الداخلى، مما خفض من معدلات اقتراض القطاع الخاص الذى يمثل أهمية حيوية لتجدد النمو الاقتصادى.

إن النظر إلى هذه التطورات مجتمعة يرسم صورة قاتمة للمصريين، لاسيما فى حالة عجز الحكومة عن توفير النقد الأجنبى اللازم لاستيراد الوقود والغذاء، مما أدى إلى حدوث النقص.

ووفقا لوزارة الصناعة والتجارة الخارجية المصرية، تمثل المنتجات الغذائية 17 فى المائة تقريبا من واردات البلاد، بينما تمثل المنتجات النفطية نحو 18 فى المائة. وقد زادت هذه الواردات من 2011 إلى 2012، بما لا يقل عن 10 و28 فى المائة على التوالى. كما تتحدث التقارير عن أن مخزون مصر من القمح يواجه ضغوطا، حيث انخفض من ستة أشهر إلى ثلاثة.

كما أن الخيار البديل، وهو إنهاء دفاع "البنك المركزى" عن الجنيه، قد يعنى تراجعا حادا فى قيمة العملة، وقيام تضخم كبير، وحتى حدوث المزيد من الضغوط على الميزانية والمصارف. وعلى أى حال، فإن مصر تواجه احتمالية أن تمر بصعوبات اقتصادية ضخمة واضطرابات اجتماعية أخرى.

ومن جانبها، تبدو الحكومة المصرية معتمدة على تطبيق سيناريو يقوم على محاولة الخروج من الأزمة بأقل الخسائر، حيث تقوم السياسة الحالية للرئيس مرسى على خفض واردات الغذاء والوقود، لكن ليس إلى مستوى الأزمة، مع الاعتماد على المساعدات المؤقتة من الدول الشقيقة لمنع احتياطى "البنك المركزى" من النقد الأجنبى من الوصول إلى مستويات حرجة.

ومع ذلك، لا يمكن استمرار هذه السياسة إلى أجل غير مسمى؛ وهنا ينبغى الإشارة إلى أن القلق العام أدى إلى زيادة معدلات دولرة الودائع، كما أن مدفوعات الديون القادمة قد تجتمع مع عوامل أخرى لتتسبب فى أزمة أكثر عمقا (على غرار مدفوعات "نادى باريس" التى بلغت قيمتها 650 مليون دولار والتى سددتها القاهرة بالفعل فى يناير، مما أدى إلى تراجع حاد فى الاحتياطيات).

وتضيف الدراسة أنه بينما تتلمس حكومة مرسى طريقها للخروج من الأزمة، يبدو أنها علقت آمالها على مصدرين خارجيين لرأس المال، هو الأموال التى يُفترض وجودها فى الخارج والمملوكة للمسئولين السابقين فى حكومة مبارك، إلا أن وزير المالية المصرى أعلن مؤخرا أنه لم يتم استرداد سوى أقل من 15 مليون دولار من تلك الأموال حتى الآن، على الرغم من تقارير وسائل الإعلام المحلية بأن هناك مليارات الدولارات جاهزة للاستعادة. ويرجح أن يكون العائد النهائى الناتج عن هذه المساعى مخيبا للآمال بسبب التحديات القانونية الدولية.

وعلاوة على ذلك، فإن السعى الذى يبدو فى بعض الأحيان متقلبا وغريبا لاسترداد تلك الأموال أضر ببيئة العمل المحلية، وقد يردع أيضا المستثمرين المحليين والأجانب. والمثال الأخير على ذلك هو التراجع الحاد فى البورصة المصرية، الذى أعقب فرض حظر على سفر أفراد من عائلة ساويرس الثرية.

ومهما كانت المكاسب قصيرة الأجل التى تحققها تلك المساعى، إلا أن الملاحقة المُسيسة فى ظاهرها لرجال الأعمال من المرجح أن تقوض من تعافى البلاد.

 

 

الجريدة الرسمية