رئيس التحرير
عصام كامل

هل ينقذ صندوق النقد الدولى مصر؟


بينما تتلمس حكومة مرسى طريقها للخروج من الأزمة، يبدو أنها علقت آمالها على مصدرين خارجيين لرأس المال:
الأول: هو الأموال التى يفترض وجودها فى الخارج والمملوكة للمسئولين السابقين فى حكومة مبارك. إلا أن وزير المالية المصرى أعلن مؤخرا أنه لم يتم استرداد سوى أقل من 15 مليون دولار من تلك الأموال حتى الآن، على الرغم من تقارير وسائل الإعلام المحلية بأن هناك مليارات الدولارات جاهزة للاستعادة. ويرجح أن يكون العائد النهائى الناتج عن هذه المساعى مخيبا للآمال بسبب التحديات القانونية الدولية.


وعلاوة على ذلك، إن السعى الذى يبدو فى بعض الأحيان متقلبا وغريبا لاسترداد تلك الأموال أضر ببيئة العمل المحلية، وقد يردع أيضا المستثمرين المحليين والأجانب. والمثال الأخير على ذلك هو التراجع الحاد فى البورصة المصرية، الذى أعقب فرض حظر على سفر أفراد من عائلة ساويرس الثرية. ومهما كانت المكاسب قصيرة الأجل التى تحققها تلك المساعى، إلا أن الملاحقة المسيسة فى ظاهرها لرجال الأعمال من المرجح أن تقوض من تعافى البلاد.

الثانى: تسعى القاهرة إلى التوصل إلى اتفاق عاجل مع "صندوق النقد الدولى" للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار، إلى جانب العديد من مليارات الدولارات بشكل مساعدات إضافية من الولايات المتحدة وأوربا وأماكن أخرى والتى تعتمد جميعها على التوصل إلى اتفاق مع "صندوق النقد الدولى".

ومن غير المرجح أن تتدفق إعانات "صندوق النقد الدولى" أو غيرها من المساعدات الدولية الكبرى إلى مصر حتى تقوم حكومة مرسى بثلاثة أمور:
1- تقديم خطة إصلاحية موثوق بها تعالج التحديات الاقتصادية الرئيسية، وهى تحديدا استبدال نظام الدعم المُكلِّف والمتخلف بإنفاق اجتماعى مستهدَف، ودعم الإيرادات الضريبية، والسماح بتحرك سعر صرف الجنيه بحرية أكبر، وتحسين بيئة الأعمال والاستثمار، بما فى ذلك للأجانب.

2 - بذل جهود سياسية لتأمين دعم واسع لخطة الإصلاح وبناء إجماع على الخطة الاقتصادية المستقبلية. ونظرا للحالة الهشة للسياسة المصرية، فمن المرجح أن يتطلب ذلك قيام مرسى بمعالجة الشكاوى الأولية الأخرى للمعارضة، خاصة الدستور المعيب الجديد الذى تم اعتماده على الرغم من اعتراضات الأحزاب غير الإسلامية.

3- تعزيز قدرات الحكومة على تطبيق الخطة الإصلاحية من خلال الاعتماد على المواهب المصرية من خارج الدائرة الأيديولوجية لجماعة «الإخوان المسلمين» لشغل مناصب وزارية رئيسية، وهو شىء تردد مرسى حتى الآن عن القيام به.
يشار إلى أن الخطوتين الأخيرتين سوف تمثلان تغيرا هائلا على نحو خاص، نظرا لأن جماعة «الإخوان المسلمين» تبدو حاليا أكثر تحمسا لخوض معارك أيديولوجية أكثر من حرصها على تعزيز المصالحة السياسية وتعزيز المصالح الوطنية.

ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، لن يكون مرسى متحمسا للقيام بهذا العمل الشاق، حيث إنه سيضر على الأرجح بحظوظ «الإخوان» الانتخابية. والواقع أن «الجماعة» تنظر إلى فوزها الانتخابى المتوقع على أنه بديل للإجماع السياسى الذى يمكن أن يتحقق بصعوبة بالغة.

وعلى افتراض أن جماعة «الإخوان المسلمين» قادرة على درء المخاطر السياسية المباشرة الناجمة عن تشريع إصلاحات مؤلمة قبل الانتخابات، إلا أن العديدين يثيرون أسئلة حول قدرتها على إحداث تحويل فى نهجها الأوسع للحكم بما يفى بمتطلبات المانحين الدوليين والمستثمرين على نحو كافٍ. وهذا يعنى تحديدا التخلى عن النهج الشعبوى الاقتصادى، وتعيين التكنوقراط بدلا من المنظرين، وكسب غير الإسلاميين بدلا من قهرهم.

وأخيرا، وحتى لو كانت المساعدات الخارجية قريبة، إلا أنها لن تكون سوى بمثابة جسر مؤقت إلى حين استئناف تدفقات رءوس الأموال من القطاع الخاص وبدء المصريين أنفسهم فى إعادة الاستثمار فى الاقتصاد. ونظرا للاضطرابات المستمرة التى كبلت البلاد خلال الشهور الأخيرة، فإن مجرد تأمين اتفاق مع "صندوق النقد الدولى" من غير المرجح أن يقنع المستثمرين من القطاع الخاص، ناهيك عن السياح بالعودة. إذ سوف يتطلب ذلك فترة طويلة من الاستقرار السياسى والهدوء اللذين يمكن أن يكونا محصلة ثانوية نهائية لكنها غير مباشرة للإجراءات التى سلف بيانها.

• نقلا عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى
الجريدة الرسمية