رسالة مهرجان الإسكندرية لأشباه الفنانين
لا يغيب عن ذاكرتي مشهد المخرج العظيم صلاح أبوسيف، جالسا بيننا مجموعة من شباب الصحفيين، يقلنا أتوبيس من كوبري الجلاء إلى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر لحضور عروض مهرجان القاهرة السينمائي في أواخر الثمانينيات.
التواضع والبساطة والحماس والحكمة.. كل ذلك وأكثر رأيته في صلاح أبوسيف، الذي كان يسبقنا للدخول لقاعة العرض ويجلس أمام الشاشة مستسلما بكل حواسه لمشاهدة الفيلم حتى نهايته، فألمح ابتسامة هادئة على وجهه قبل أن يتأهب لمشاهدة عرض آخر بنفس الهمة والرغبة.
كانت هذه الفترة بمثابة العصر الذهبي لمهرجان القاهرة السنيمائي برئاسة الكاتب الكبير سعد الدين وهبة، ومعه مجموعة من الشباب وعلى رأسهم الزميل الأمير أباظة الذي يرأس مهرجان الإسكندرية السينمائي.. وبحضوري دورته هذا العام "21 _ 26 سبتمبر" استعادت ذاكرتي الكثير من المشاهد لقمم عالية في الإخراج والتمثيل والأدب كانت تجتمع في مهرجان السينما للوقوف على كل ما هو جديد وحديث في فنون إبداع الحياة.
رأيت العديد من المخرجين والممثلين العالميين يلتفون حول أبوسيف ويتحدثون معه بإعجاب وتقدير.. وعندما سألته: "يا أستاذنا ما سر حالة السعادة التي تملأ وجهك بعد كل عرض تشاهده؟".. لأنني ببساطة شديدة أتعلم وأستفيد من أي عمل يعرض بالمهرجان.. هكذا كانت إجابته.. ومثل هذه الشخصيات التي تركت في حياتنا بصمة كانت تسعي للاطلاع على تجارب الآخرين ولا تجد حرجا في أن تظهر إعجابها وتعلن صراحة أنها تتعلم منها.. هي إذن سمة العظماء في كل عصر.
وإذا كنا نعاني الآن من أشباه الفنانين وإنتاجهم الرديء في السينما أو غيرها من الفنون، فإن مهرجان الإسكندرية يبعث برسالة اطمئنان بأن هناك فنا حقيقيا يستحق أن ندعمه إعلاميا وأن تسانده الدولة حتى وإن ظهرت على السطح نماذج رديئة، لكن لدينا مخرجين وفنانين يستطيعون تقديم فن راق.
الحالة الفنية التي انبعثت في الإسكندرية خلال أيام المهرجان، والتواجد الحي للعديد من الدول رسالة تفاؤل جاءت في وقتها، ونتيجة لجهود كوكبة من القائمين على تنظيم هذا الحدث، خاصة صديقي قدري الحجار مدير المهرجان، وصديقي أحمد كامل "الدينامو الذي يعمل في صمت".