دعوة رئيس.. ورؤية مواطنة
"على البشرية أن تستعيد جوهر إنسانيتها فتتشارك في العلم والمعرفة والتكنولوجيا دون احتكار وتتحد في مواجهة التهديدات، وكما كانت مصر دومًا مثالًا لتراكم الحضارات، فإنها تجدد أمامكم اليوم التزامها بالإسهام المتواصل في تعزيز التعايش داخل الأسرة الدولية، والوصول إلى عالم أكثر أمنًا ورخاءً لأجيالنا القادمة".
توقفت عند هذا الجانب من جوانب خطاب الرئيس السيسي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد تحدث في جوانب عديدة محورية ومهمة، تحدث عن رؤية مصر في الاقتصاد وفى العلاقات الدولية وغيرها من القضايا التي تهم العالم والشرق الأوسط، ولكن في الحقيقة استوقفتني كلمات الرئيس عن السلام في العالم وخاصة قضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وتحقيق السلام بين الطرفين والذي بدوره تنعكس آثاره على السلام في منطقة الشرق الأوسط، بل انتقل الرئيس إلى قضية الإرهاب وكيفية مواجهته على المستوى الدولى بتبنى منظورًا شاملًا لمواجهة الإرهاب الأسود الذي يضرب منطقة الشرق الأوسط والعالم.
وإن المواجهة الأمنية فقط غير كافية للقضاء على الإرهاب بل يجب أن تكون هناك مواجهة فكرية أيضًا، في مضمون هذه الدعوات وفى محتوى الكلمات السابقة لتضامن البشرية في العلم والمعرفة والتكنولوجيا لتستعيد إنسانيتها، خطاب رائع أمام العالم ومُشرف لمصر لتحقيق السلام العالمى، ولكن عندما أفكر في كيفية وضع رؤية لتتحقق في مصر ثم تنطلق إلى منطقة الشرق الأوسط والعالم، أرى أنه لابد أن أضع أمام عينى رؤية لمواجهة الإرهاب؛ أولًا عن طريق تجديد الخطاب الدينى وتنقيته من الشوائب وهذا ما يدعو إليه الرئيس السيسي وكل المستنيرين ولهذه القضية آليات لتحقيقها سوف أذكرها بالتفصيل في مقالٍ قادم.. أما ما أضعه كبعد ثانٍ لوضع رؤية لمصر لمواجهة الإرهاب الفكرى داخليًّا وخارجيًّا، هو أن أضع أمام ذهنى وعينى أبعادًا أسياسية ثلاثة: المصرية والعربية والعصرية.
والثلاثة تمثل معًا نمطًا ثقافيًا يواجه تحديات آنية، ولابد من استعادته الآن بآليات التكنولوجيا والميديا والنت أي استعادة نمط ثقافى في عصر كوكبى، فالمصرية والعربية والعصرية عناصر أساسية لابد أن تتلاقى مدمجة في نمط ثقافى واحد؛ تتطلب منا لإخراجه وتطبيقه لمواجهة قضية مثل قضية الإرهاب أن نستوعب ونطرح التساؤلات الآتية، ما هي عناصر الروح المصرية الأصيلة؟ وما هي عناصر الروح العربية، ثم ما هي عناصر روح العصر ؟
وهذا اتجاه افقى، أما عن الاتجاه الرأسى فنضع في الاعتبار -لصياغة أيديولوجية لمواجهة الإرهاب وتحقيق السلام- وضع الأعمار الثقافية من الطفولة إلى الشباب، وهى الفئة الأهم بالنسبة لى في هذه القضية، ثم إلى فئة النضج والاكتمال؛ ومن ثم تجميع رؤية فكرية لمواجهة الإرهاب منطلقة من الأبعاد الأسياسية الثلاثة والتي ذكرتها سلفًا من مصرية وعربية وعصرية لمخاطبة هذه الأعمار حتى تكون هناك ثقافة وفكر مشترك بسيط يجعل لدى المواطنين جميعًا رؤية واحدة للأصول والجذور والأسس المصرية والتي تشوهت بالفكر الوهابى القادم من بلاد تبعد كل البعد عن الاستنارة والانفتاح.
وبهذه التفصيلات في الاتجاهين الأفقى والرأسى نضمن ألا يختلف اثنان في ولاء المصرى لمصر، وفى انتماء المصرى لموروث الثقافة العربية والتي شُوهت، وفى الأخذ عن العصر علمية نظرته إلى المسائل والإشكاليات العامة مع الاحتفاظ الدائم بفردية الفرد في حياته الوجدانية والخاصة، وعلى هذا الأساس تتكون رؤية وثقافة مشتركة مستنيرة منفتحة على الآخر قادرة على مواجهة الإرهاب الفكرى.
وهكذا، عندما سمعت خطاب الرئيس وكلماته خاصة عن تحقيق السلام تبادرت هذه الرؤية إلى ذهنى من واقع قراءتى الموروث الثقافى المصرى والعربى ومن نظرتى إلى أهمية الأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا والتقدم.. وللحديث بقية في مقال قادم عن رؤية واحدة وثقافة مشتركة ومتنوعة.