الفوضى تحكم مستشفيات الطلبة.. إهمال وتسيب وإهدار للمال العام.. اختبارات طلاب حلوان «حبر على ورق».. وعميد كلية الطب: «كلموا المالية تزود المخصصات»
منذ عدة أشهر.. أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمًا، قضت فيه بإلزام رؤساء الجامعات بتوفير الرعاية الصحية، وتقديم العلاج مجانًا على نفقة الجامعة، لجميع الطلاب دون وضع سقف مالى نظير ما يسددونه من اشتراكات بالجامعة، كما أكدت المحكمة في الحكم ذاته أنه لا يجوز لرؤساء الجامعات التنصل من التزامهم بتقديم العلاج والرعاية الطبية للطلاب، ومن جانبهم أكد رؤساء الجامعات المختلفة أن مستشفى الطلبة يفتح أبوابه لطلاب الجامعة ويتكفل بعلاجهم مهما تكلف الأمر وذلك نظير البطاقة العلاجية التي يستخرجها الطالب، والتي تعتبر إثباتًا لالتحاقه بالجامعة.
مستشفى الطلبة بالجيزة التابع لجامعة القاهرة يعد مسئولًا مسئولية كاملة عن علاج الطلاب بالجامعة، الذين يبلغ عددهم نحو 250 ألف طالب، من إجمالى 25 كلية، ومن ضمن حقوق الطالب في المستشفى توفير الكشف المجانى له في العيادات الخارجية، وصرف العلاج، والتحاليل الطبية، والأشعات، دون أن يتحمل أي تكاليف على نفقته الخاصة، وكل ما عليه فقط الحضور بإثبات الشخصية “الرقم القومى”، وكارنيه كليته.
في المقابل، ورغم كل التيسيرات السابقة، والتي جاء ليؤكدها حكم “القضاء الإداري”، فإن جولة واحدة داخل مستشفى “الطلبة”، تكشف – بما لا يدع مجالا للشك- أنه تحول إلى مستشفى حكومى، يعانى الإهمال الواضح، وأن رواده فقط من الطلاب غير القادرين على تلقى العلاج في الخارج، لهذا يلجأون إلى المستشفى المجانى.
ورغم تأكيد مصدر مسئول بجامعة القاهرة أن الجامعة أنفقت خلال العام الماضى فقط نحو 3 ملايين جنيه على المستشفى ذاته شاملة رسوم تشغيل المستشفى والأدوية ونفقات علاج الطلاب.
تصريحات المصدر ذاته تزامنت معها تصريحات لمدير مستشفى الطلبة، الدكتور خالد رمضان، الذي أكد – بدوره- أن الجامعة لا تبخل في ميزانيتها للمستشفى، وتلبى كل احتياجاته.
الإهمال الذي يعانى منه مستشفى الطلبة، لم يقف عند حد الشكل الخارجى، حيث يتضح أنه يعنى أيضًا نقصًا حادًا في عدد من التخصصات.
ينقص مستشفى الطلبة بجامعة القاهرة أكثر من تخصص، كجراحات القلب والصدر، وبعض جراحات المخ والأعصاب، وهما اللذان يعدان من أهم وأخطر التخصصات الطبية.
المستشفى يعانى أيضًا من كارثة أخرى تطل برأسها بين حين وآخر، وتتمثل في عدم وجود بنك دم بها، والذي يلزم لإنقاذ أكبر عدد من الحالات التي تجرى عمليات جراحية بالمستشفى، ولعل أكثر من مشكلة وأزمة واجهت مستشفى الطلبة بسبب هذه النواقص، والتي كان الحل الأقرب لها الاستعانة بأساتذة وأطباء من قصر العينى.
أزمة أخرى تتفشى بمستشفى الطلبة وهى أنه يعمل به عدد ليس بالقليل من أطباء التكليف الخريجين حديثا في كلية الطب الذين يعمل معظمهم بقسم الطوارئ والعيادات الخارجية المتمثلة في عيادة الباطنة والعظام والجراحة العامة والأسنان، وهو ما يثير قلق العديد من الطلاب، حيث يفتقر معظمهم إلى الخبرة الكافية والقدرة على التعامل مع المرضى.
ويشكو معظم الطلاب من الإهمال الصادر عن أطباء التكليف لهم بالمستشفى، ويمكن أن يكون السبب في ذلك هو عدم ثقة الطالب بأن شخصا يكبره بعام أو اثنين، وخريج حديثا، يعطى له دواءً فعالًا يشفيه من مرضه، والتي اعتبرها بعض الطلاب أنهم بمثابة حقل تجارب لكفاءة طبيب التكليف أو فشله.
أما عن الكشف الطبى الذي يتكفل به مستشفى طلبة جامعة القاهرة للطلاب الجدد الملتحقين بالجامعة، فحدث ولا حرج، حيث يقف الطلاب في طوابير طويلة، أمام عيادات “الباطنة، والأسنان والعيون”، ثم يجرى الطالب تحليل الدم وفيروس “سي” فقط وينصرف، ورغم وجود عدة فحوصات أخرى باستمارة الكشف الطبى، التي يحصل عليها الطالب مقابل 30 جنيهًا، ككشف الجلدية وفحص الأشعة وكشف العظام، لا يجرى الطالب أي منها، ويكتفى المستشفى بالكشف الظاهرى فقط على الأسنان والعيون وتحليل الدم.
أحد الطلاب الجدد تحدث عن الإجراءات التي تم اتباعها معه أثناء الكشف أن عند دخوله عيادة الأسنان، حيث أكد أن الطبيبة المختصة سألته “بتشتكى من حاجة؟” فرد الطالب بالنفى، فقالت له الطبيبة “خلاص اتفضل” مشيرة له بالخروج من الحجرة، دون توقيع أي كشف فعلى عليه.
طالبة أخرى، أجرت الكشف الطبي، وأوضحت بعد انتهائها منه أنه لا يتعدى كونه “حبرًا على ورق”، مدللة على حديثها هذا بقولها: يأتى يوميًا نحو 1000 طالب بالعيادات، وكل طالب يأخذ من الوقت أقل من خمس دقائق في الكشف، ليستطيع الطبيب أن ينهى عدد الطلاب قبل الموعد المحدد لخروجه من المستشفى.
مفاجأة أخرى كشفت عنها الطالبة ذاتها حدثت معها أثناء الكشف الطبي، حيث قالت: “أنا عندى ضعف نظر ونزلت من غير نظارة وأعطتنى الطبيبة علامة لائقة، دون سؤالى عما اشتكى منه، كما أننى مصابة بطول نظر ولم تعرف الطبيبة أن تشخص ذلك”.
تجدر الإشارة هنا إلى أن مستشفى الطلبة يعمل بمواعيد رسمية وهى من 9 صباحا إلى 2 ظهرا، ولا تستقبل العيادات طلابا بغير هذه المواعيد ولا بد من حمل الطالب لبطاقة الصحية والبطاقة الشخصية وكارنيه الجامعة ليتم الكشف عليه وفى حالة عدم حمل الطالب لبطاقة شخصية لا يتم استقباله من الأصل.
في مقابل التصريحات البراقة التي يخرج بها علينا المسئولون كل يوم، أعلنت إدارة مستشفيات الطلبة بالجامعات العصيان ووضعت تعريفات لكل شيء بالمستشفى، بداية من الكشف الذي يكلف الطالب 5 جنيهات ثمن التذكرة، وفى حالة عدم توافر الخدمة أو التخصص المطلوب للكشف على الطالب المريض يتم تحويله إلى مستشفى عين شمس التخصصى وسعر تذكرة الدخول هناك 10 جنيهات يتحملها الطالب، أما رسوم فتح غرفة العمليات فتتراوح بين 40 أو 50 جنيهًا.
أحد طلاب الفرقة الثانية بكلية التجارة، أوضح أنه لم يخضع للكشف الطبى المفروض توقيعه على الطلاب المستجدين عند التحاقه بالجامعة لعلمه بأنه كشف صورى، مشيرًا إلى أنه عند إصابته بكسر في قدمه أثناء لعبه الكرة بملعب الكلية نقله زملاؤه لمستشفى الطلبة والذي رفض استقباله لعدم استخراجه كارنيه الكشف الطبى بالرغم من أنه يحمل كارنيه الكلية والتي تثبت انتماءه لجامعة عين شمس.
الطالب ذاته أضاف قائلا: “الممرضة قالتلى اعمل الكارنيه وتعال”، مؤكدًا أنه إذا كان انتظر حتى استخراج كارنيه العلاج الطبى كان قد فقد إحدى قدميه.
في سياق ذى صلة أكدت طالبة بكلية الألسن بالفرقة الثالثة أنها توجهت للعيادة بعد شعورها بآلام بمعدتها والتي كانت تشك بأنها “الزائدة” إلا أنها فوجئت بحالة من اللامبالاة في التعامل، حيث إنها حجزت تذكرة للكشف وانتظرت ما يقرب من نصف ساعة حتى يحضر الطبيب لكى يوقع الكشف عليها، بالإضافة إلى معاملة الممرضات السيئة وكأنهم يمنون على الطلبة، وأضافت: “أنا أكشف برة بكرامتى أحسن”.
من جانبه علق مصدر مسئول بجامعة عين شمس على شكاوى الطلاب بقوله: مستشفى الطلبة يبذل ما في وسعه لخدمة الطلبة وتقديم الرعاية الطبية المناسبة لهم، مشيرًا إلى أنه تم عمل جرد بداية الشهر الجارى لمعرفة الأدوية الناقصة وتوفيرها قبل بدء العام الدراسى.
المسئول ذاته، تابع قائلا: مستشفى الطلبة به عدد من التخصصات والخدمات التي يقدمها للطلاب بموجب الكارنيه والاشتراك الذي يدفعه الطالب ضمن مصروفات الكلية، وفى حالة عدم توافر الخدمة المطلوبة يتم تحويل الطالب فورًا إلى المستشفى التخصصى، كما أن المستشفى الطلبة بحاجة إلى أعمال تطوير تقدر بأكثر من 5 ملايين جنيه، وذلك لشراء أجهزة حديثة، وتوفير الخدمات الناقصة.
أما بالنسبة لكليات جامعة حلوان فتجرى الكشف الطبى على طلاب الثانوية العامة الجدد خلال مرحلة تقديم الأوراق للالتحاق بكليات الجامعة الـ22 التي يرغبون بها خلال العام الدراسى 2016 -2017.
ويخضع الطالب للكشف الطبى بعيادة الكلية التي سيلتحق بها، التي يكون بداخلها اثنين أو ثلاثة من الأطباء، حيث يتم السماح للطالب بدخول الكشف الطبى بمفرده دون مرافق، وهو عبارة عن أسئلة فقط قد يكذب فيها الطالب على الطبيب المعالج للانتهاء من الكشف سريعًا أو قليلًا ممن يقولون الحقيقة إذا كان يعانون أمراضًا أو يعانون ضعف النظر.
الطالبة هاجر أحمد، أكدت أنها فور خروجها من أداء الكشف الطبى: “ملهوش أي لأزمة” بيسألونا شوية أسئلة وخلاص وبيمضوا على الورقة بعد كده وخلاص ملهوش أي لأزمة.
من جانبه قال الدكتور ممدوح مهدى، عميد كلية الطب بجامعة حلوان: تم نقل مستشفى بدر في يوليو 2014 من وزارة الصحة لجامعة حلوان، حيث يحتوى المستشفى على 100 سرير، كما أنه يتم تجهيز 3 غرف عمليات على أعلى مستوى، وتجهيز وحدة قسطرة قلبية، وتجهيز وحدة كلى مكونة من 12 ماكينة.
عميد “طب حلوان” أضاف قائلا: تم تجهيز المستشفى بميزانية تقترب لـ 30 مليون جنيه خاصة بالتجهيزات الطبية فقط، وذلك لاستقبال المرضى بصورة تليق بمستشفى جامعة حلوان، وفور استلام المشفى تم إجراء التعديلات عليها، خلال العام الماضى زاد عدد المترديدين على المستشفى، وكذلك زيادة في عدد العمليات الجراحية، حيث تم إجراء لما يقرب من 600 عملية جراحية كبرى، كما أنه تم فتح غرفة العناية المركزة مؤخرًا، كما أنه تم إنشاء بنك دم، وتم شراء جهاز أشعة مقطعية حديثة بقيمة 7 ملايين جنيه، وتم تجهيز العناية المركزة لما يقرب من 6 ملايين جنيه، وتجهيز معمل المركزى لما يقرب من 5 ملايين جنيه، وتجهيز غرفة العمليات بـ 6 ملايين جنيه.
وقد تلقى المستشفى دعمًا لتطويره بنحو 20 مليون جنيه – والحديث لا يزال لـ”مهدى” من البنوك الحكومية والمؤسسات، كما أنه سيتم بناء مبنى خلفى للمستشفى لتزويد أعداد الأسرة لرفع الكفاءة إلى 250 سريرًا بدلًا من 100.
وأكد ممدوح مهدى أن المستشفيات الجامعية بمصر تغطى ما يقرب من 75% من الخدمات الصحية والطبية المتقدمة في مصر، بينما مستشفيات وزارة الصحة بكل إمكانياتها وميزانياتها تقدم خدمة طبية للمرضى بنسبة 25% فقط، على الرغم من أن المستشفيات الجامعية تبلع نحو 60 أو 70 مستشفى على مستوى الجمهورية موزعة على 23 جامعة فقط.
وتابع قائلًا: “قلة الموادر المادية” المخصصة للمستشفيات الجامعية من وزارة المالية بمثابة عائق أمامها، والموارد المالية المخصصة للمستشفيات الجامعية ضئيلة جدًا بالنسبة لمستشفيات وزارة الصحة، وأطالب وزارة المالية والتخطيط لرفع الموارد المادية للجامعات لتطوير تلك المستشفيات وتقديم خدمة تليق بالمرضى.