رئيس التحرير
عصام كامل

شيخ معلمي الفيوم أحمد عبد الباري: فقد المعلم وقاره فانهار التعليم

محافظة الفيوم
محافظة الفيوم

قال أحمد عبدالباري، شيخ المعلمين بمحافظة الفيوم: إن المعلم عاش أزهى عصوره في عهدى جمال عبدالناصر وأنور السادات، مشيرًا إلى أن المعلم في تلك الفترة كان يشغل أهم وظيفة في المجتمع، مشيرًا إلى أن أخطاء الحكومة المتكررة حولت الطلاب إلى فئران تجارب ومجرد متلقين بلا فكر أو رؤية.


عبدالبارى روى مشواره مع التعليم منذ أن تم تعيينه عام 1950 عقب حصوله على شهادة الثقافة قائلا: “كان المعلم في الخمسينيات وحتى نهاية السبعينيات، في الصفوف الأولى فلم يكن يعقد أي قران في قرية أو تقام مراسم زواج أو خطوبة وغيرها من الأفراح إلا ويكون أول المدعوين ناظر المدرسة وهيئة التدريس، تعد لهم أول وليمة ويتفاخر أصحاب الفرح أن الناظر والمعلمين حضروا زواج ابنه أو بنته، والفرحة الكبرى أن يقبل الناظر أن يوقع كشاهد على وثيقة الزواج، لأنهم كانوا يقدرون التعليم والمعلمين لإيمانهم بأن العلم هو الطريق الوحيد للنهوض من كبوة الأمية التي زرعها الاحتلال الإنجليزى والإقطاع ليظل المصريون عبيدًا لديهم، لكن المصرى فطن لذلك فكان المعلم بالنسبة له يشبه الهرم.

الأسرة والمدرسة
ويتابع شيخ المعلمين أن الأسرة كانت تتواصل مع المدرسة من الخمسينيات حتى نهاية السبعينيات، وكانت علاقة ولى الأمر بالمعلم قوية ولا يخالف ولى أمر لمعلم رأيًا في تربية ابنه وتعليمــه، هذا أدى إلى خلق جيل يحترم معلميه ويقدر التعليم والبحث.

كلمة السر في الأنشطة
ويضيف: “كانت المدرسة مركزًا للإشعاع العلمى وتربية الحس لدى الطلاب فقد كان في كل مدرسة حجرة للموسيقى مجهزة بكل الآلات الموسيقية، ومسرحًا أو صالة لممارسة النشاط الفني، وملعبًا يستطيع الطلاب أن يخرجوا فيه كل طاقاتهم المكبوتة، فكان الطالب يعود إلى منزله صافى النفس مستقر الوجدان لا يشغله إلا دروسه ومذاكرته، ولم يكن هناك مجال للدروس الخصوصية، فالمعلم داخل الفصل يراعى ربه في عمله، أما المناهج فقد كانت تعتمد على التلقين ورغم ذلك كان المدرس يعمل ليل نهار لدفع الطالب للبحث والتنقيب عن المعلومة، أما من خلال أبحاث تقدم كل شهر أو مجلات الحائط وبعض المدارس كانت تصدر نشرات شبه دورية منها العلمية ومنها الإخبارية وحتى الأخيرة كان لابد أن يكون فيها بحث علمي، فتغلب المعلم على مشكلة التلقين بالأنشطة”.

وقار المعلم
ويستطرد شيخ المعلمين بالفيوم قائلا: “أتذكر واقعة أظنها الآن بمقاييس هذا الزمن معجزة، فقد التقى أحد أصدقائى تلميذًا كان عنده بالمدرسة بعد أن تخرج وصار يعمل في مركز مرموق، وبحسن نية أخرج علبة سجائره المستوردة ليهدى لمعلمه منها واحدة من باب التحية والتقدير فأقسم المعلم أنه لا يدخن، فسأله تلميذه منذ متى يا أستاذي؟ فرد عليه من الآن، حتى لا أتعرض لموقف مثل هذا وأجلس مع من كان تلميذى لندخن معا السجائر، فاحترام المعلم لنفسه ومهنته كان يجبر ولى الأمر والتلميذ معًا على احترامه وتقديره، ومن يحترم ذاته يجبر الآخرين على تقديره”.

المفتش
ابتسم شيخ المعلمين بالفيوم وهو يقول زمان كان يطلق على الموجه لقب «مفتش»، وهذه التسمية أعم وأفضل من صفة الموجه، فالمفتش كان يدخل المدرسة يرصد أعمال النظافة وكشاكيل المعلم وطريقة شرحه ومستوى الطلاب حتى أنه كان يشرح للطلاب أي جزء يرى أن المعلم لم يتمكن من توصيله إلى الطلاب بالشكل الكامل، أما موجهو هذه الأيام فيكتفون بالتوقيع في دفتر الزيارات واحتساء المشروبات الساخنة والباردة بمكتب المدير وليذهب الطلاب إلى الجحيم، شغل الموجه الآن أصبح مجرد تستيف أوراق لا غير.

تجارب فاشلة
أرجع شيخ المعلمين سبب تدهور التعليم إلى التجارب الفاشلة التي جربها وزراء التعليم واحدًا تلو الآخر بداية من إلغاء الصف السادس ثم عودته، وتحسين المجموع في الثانوية العامة، ثم امتحانات الدور الثاني، حتى وصل الحال في التعليم الأزهرى هذا العام أن يسمحوا لطالب الثانوية الأزهرية بامتحان الدور الثانى في كل المواد.

البعد عن سوق العمل
وأضاف عبد الباري: كانت أنشطة التربية الزراعية والنشاط الصناعي، والتدبير المنزلي، في مدارس التعليم العام حافزًا للطلاب للتأهيل إلى سوق العمل لأنها كانت تعلم الطالب حرفة بجوار الدراسة، ومنها المطبخ للبنات، وصناعة الحلويات للبنين في التربية الزراعية وتربية النحل والماشية، وكم من طلاب تخرجوا في كليات الآداب والتجارة وغيروا أنشطتهم إلى تربية النحل وتجارة العسل وأصبحوا من كبار رجال الأعمال في مجالهم.

الدروس الخصوصية
يشير شيخ معلمى الفيوم إلى أن دخول الدروس الخصوصية إلى التعليم أفسد ما تبقى منه، خاصة بعد أن لجأ المعلم إلى التجول بين البيوت ليحصل على مقابل مذاكرة للطالب، ويعتقد أولياء الأمور أن ما يقدم للمدرس من مشروبات وطعام أثناء الدروس الخصوصية هو من قبيل الكرم، إنما أدى إلى تحويل المعلم إلى خادم لدى صاحب المنزل ولا يستطيع أن يوجه الطالب لأنه ينظر إليه على أنه ولى نعمته.

روشتة إصلاح التعليم
وقال شيخ المعلمين: إن حال التعليم في مصر لن ينصلح إلا إذا عاد المعلم إلى الفصل، وهذا لن يحدث مادام يحتاج إلى قوت يومه، فأول خطوة يجب أن تكون مراعاة البعد الاجتماعى للمعلم.
الدواء الثانى وفقا لرؤيته أن تعود حجرة الموسيقى والملاعب والمسرح من جديد إلى المدرسة، فإذا هذبنا الوجدان وبنينا الأجسام أصلحنا الحال.
ويؤكد أن الدواء الأهم هو إنشاء كيان تحت أي مسمى بكل مدرسة تكون مهمته التواصل مع أولياء الأمور ومعالجة أي طارئ نفسى يطرأ على الطالب بين المدرسة والأسرة لتربية النشء على الترابط والانتماء فيخرج لنا شاب يحب وطنه ويحب أن يأكل من عمل يده.
الجريدة الرسمية