رئيس التحرير
عصام كامل

فليغرقوا إرضاءً لدولة العواجيز!

قد تموت في مصر لأتفه سبب.. ربما لنقص قليل من دواء الأنسولين المخفض لكوارث مرض ارتفاع السكر في الدم، يذهب المريض الفقير إلى المستشفى الحكومى فلا يجده لأن الميزانية لا تسمح.. فيموت بكل بساطة، قد تموت أيضا وأنت تجرى وراء قطار مزدحم محشور بين حديده البشر الذين لا يساوون شيئا عند دولة الكبار والمماليك العظام، قد تموت بسبب حادثة سير في سيارة حديثة أو بالية بسبب سوء حالة الأسفلت أو انعدامه على طريق فرعى في الأقاليم لا يراه سعادة الدكتور اللواء المستشار المحافظ، الذي يحصر مهامه في المحافظة على الوضع القائم في الإقليم، قد تموت لأى سبب مادى.

قد تموت سعيا وراء هجرة من هذا البلد الذي لا يتحمل أبناءه، تموت غرقا وأنت شاب في عرض البحر مثلما حدث بالأمس لضحايا مركب رشيد.. وهم بالطبع ليسوا أول من غرق ولن يكونوا آخرهم.. إذن فلتنتظر دورك في طابور الموت المجانى؛ فهو آتً أتً لا محالة مادمت منا نحن العاديون ملح الأرض في بلد الكبار والعواجيز العظام أساطين المال والسلطة والنفوذ.. لكنك حتما تموت قهرا ونكدا وكمدا على حالك، وعلى حال وطن يمكنه النهوض بكل يسر لكن سادته يرفضون ذلك وربما يخشونه!

فمصر الرسمية التي تطالب المواطنين (العاديين) بالتقشف وربط الحزام وتحمل القرارات المؤلمة التي يسمونها إصلاحا اقتصاديا بينما يراها الكثيرون إفسادا وفسادا وإظلاما وظلاما وإفقارا ممنهجا، لم تطلب مصر الرسمية تلك من السادة وزرائها أن يقيلوا أو على أضعف الإيمان يقللوا عدد السادة مستشاري الوزراء، والذين يكلفون الدولة 24 مليار جنيه سنويا.. وتدقيقا للألفاظ المستخدمة وإحقاقا للحق، هم لا يكلفون الدولة بل يكلفون الفقراء هذا المبلغ ويقتطعونه من لحمهم الحى الذي أوشك على مرافقة الحياة أو ترهل من جراء الظلم والفقر والمرض والهم المضاف.. فوفقا لتقرير المركز المصرى للدراسات الاقتصادية والذي نشره موقع البديل وسبقه موقع البوابة نيوز في صياغة أخرى، هناك ما يقرب من 83 ألف مستشار وزارى، البعض منهم تجاوز السبعين، يتقاضون ما يقرب من مليارى جنيه شهريا! 

يحدث هذا بينما هناك الملايين من العاطلين والعاطلات من الأسر المصرية العادية الذين لا سند لهم ولا ضهر ولا بطن أيضا، هؤلاء الذين يعيشون شبه أحياء على الهامش، وضاقت بهم مصر بما رحبت واستكثرت عليهم هذا الهامش الضيق فتركتهم نهبا للغلاء والكواء والبلاء المتنامى ساعة بعد أخرى، إرضاء للسادة عواجيز البلد، فليغرقوا في البحر أو في الفقر أو في أي داهية فداء لهم.. تخيل لو أن تلك الأموال الشهرية (المنهوبة) والضائعة سدى على أصدقاء وأقارب وشركاء الوزراء قد تم توفيرها لبناء مصنع في كل محافظة مصرية.. نعم مصنع واحد فقط ينتج أي سلعة للاستهلاك المحلى أو للتصدير، كيف سيكون حالنا!.. كم من أسرة مصرية ستنعم بالستر وكم من فتاة ستجد من يتقدم لها وكم من أم مريضة ستجد من يعولها، وكم من أب طعنه مدى الفقر الطويل سيجد من يسانده في شيخوخته!.. لماذا تفعلون ذلك بمصر والمصريين، أنطعم هذه الفئة العالة على المجتمع وعلى الفقراء من لحمهم ودمائهم التي أوشكت على الجفاف !

ألم نتعلم من مشروع فرع قناة السويس الجديدة الذي لم يحقق فائدة اقتصادية تذكر حتى الآن وكان بإمكاننا وبإمكان الرئيس أيضا أن يرفع روح الشعب المعنوية بمشاريع صغيرة ومتوسطة وعملاقة أيضا من المبلغ الضخم الذي جمعه من المصريين، ألم يكن الأجدى بنا وبالرئيس وبمن حوله أن يشيروا عليه بمشروعات إنتاجية لها مردود فعلى إنتاجى قابل للاستهلاك المحلى أو التصدير للخارج تمتص الغارقين في بحور الفقر والبؤس والموت؟ ألم يكن الأولى بنا أن نبنى مصنعا أو اثنين في كل محافظة مصرية نحيى به الأمل في نفوس كفرت بكل شىء، فنحقق فائض إنتاج فعليا ونجلب دخل واقعى صناعيا أو زراعيا ملموسا وليس دخلا ريعيا خدميا يعتمد على ما يجود به العالم من بضائع ننقلها له ونكتفى بدور المراكبى!.. 

لكن للأسف هذا المركبى عندما عجز عن الوصول بأبنائه لشط الأمان ألقى بهم في ظلمات من فوقها ظلمات.. اللهم الطف بنا وبمصر وأبنائها الغلابة المقهورين وارحم من مات منهم غرقا أو كمدا ومن ينتظر دوره. 
fotuheng@gmail.com 
 

الجريدة الرسمية