التعليم في مصر ضد المواطنة ويشوه الهوية.. سهير الدمنهوري: المدارس الدولية والأجنبية تعمل على غرس انتماء الطالب منذ صغره لبلد المدرسة وليس الانتماء لمصر.. وكمال مغيث: ازدواجية التعليم تخلق أجيالا شائهة
«ازدواجية التعليم».. البداية كانت في عهد محمد علي، مؤسس مصر الحديثة، أما النهاية فكانت الأزمة الحالية التي يعيشها التعليم المصري بسبب قرار اتخذه محمد على، قضي بإنشاء التعليم المدني ليكون مجاورا للتعليم الأزهري، الذي كان منتشرا في مصر – وقتها.
«الهوية الوطنية.. انعدام مبدأ تكافؤ الفرص.. عدم تعزيز مبادئ الولاء والمواطنة».. جميعها أمور، أو أزمات لو شئنا الدقة، ترتبت على ازدواجية التعليم، حيث أصبح في مصر حاليا أنواع عدة من التعليم، فهناك الحكومي والخاص والأزهري والتجريبي والدولي، وهو أمر دفع عددا من الخبراء التربويين وأساتذة علم الاجتماع للتحذير من خطورة ازدواجية التعليم في مصر على الطلاب وانتمائهم للبلد وخاصة التعليم الدولي والأجنبي.
بداية قال الدكتور سالم الرفاعي، الخبير التربوي: ازدواجية التعليم وتعدده لا تؤثر على الهوية الوطنية للطلاب؛ لأنه في النهاية تلك المدارس رغم تعدد أنواعها فإنها تخضع لرقابة ومتابعة وزارة التربية والتعليم وقوانينها، وذلك من خلال وجود مواد ملزمة لتلك المدارس مثل التاريخ والتربية الوطنية واللغة العربية.
«الرفاعي» رفض أيضا تحميل الأزمات التي تعاني منها المنظومة التعليمية المصري في الوقت الحالي لـ«ازدواجية التعليم»، مؤكدًا أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه من قبل وسائل الإعلام، لأن الطالب المصري لديه وطنية ولا يؤثر عليه شيء – حسب تعبيره.
من جانبه قال الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوي بالمركز القومي للبحوث: ازدواجية التعليم في مصر تؤثر على التماسك الوطني في المجتمع، وتم التحذير منه منذ 30 سنة إلا أنه رغم ذلك لا يزال ينتشر ويتوسع بشكل أكبر في المجتمع.
«مغيث» تابع قائلًا: علينا أن ندرك هنا أن ازدواجية التعليم في طريقها إلى خلق شعوب جديدة مختلفة في المجتمع المصري نتيجة تعدد مستويات التعليم في مصر وتعدد أنواع المدارس فأصبح هناك مدارس للفقراء، وأبناء عامة الشعب، وأخرى للأغنياء، وكل منها لها تعليمها الخاص بها ومناهجها الخاصة وثقافتها التي تغرسها في الطالب، والتي تختلف عن ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع المصري، كما أنها تعد مشكلة كبرى يعاني منها التعليم منذ سنوات عديدة، حيث تتسبب تلك الازدواجية في افتقاد الطلاب الانتماء لبلدهم، فالتعليم الدولي – مثلا- يفقد الطالب هويته وانتماءه.
الخبير التربوي بالمركز القومي للبحوث، أوضح أيضا أنه «لا بد أن تكون الوظيفة الأولى والأساسية للمدرسة زرع المواطنة وحب الوطن منذ الصغر، وأن تجمع كل فئات المجتمع المختلفة، لكي يقول الطالب في النهاية «أنا مصري»، والمدرسة مهمتها إعداد الطالب للمواطنة بغض النظر عن إذا كان هذا الطالب مسلما أو مسيحيا، ودون النظر أيضا إلى الطبقة التي ينتمي إليها أو ديانته.
«مغيث» في سياق حديثه، حذر من أن التعليم في مصر أصبح ينتج شعوبا متنافرة، وخاصة بعدما أتاح الرئيس الراحل أنور السادات للأزهر في التوسع وبناء لما يقرب من 9 آلاف معهد أزهري به لما يقرب من 2 مليون طالب يقبل الطلاب المسلمين فقط، وفي الوقت ذاته مناهج التعليم الدولي لا تُعلم الطلاب المناهج المصرية من الأساس.
أما الدكتورة سهير الدمنهوري، رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب، جامعة حلوان، فقد عقبت على الأمر بقولها: المدارس الخاصة والتجريبية ليست أقل وطنية من المدارس الحكومية، فهي تخضع للدولة وقوانينها ومنهجها، لكن ما يجعلها تختلف عن المدارس الحكومية اللغة فقط، وعلينا أن ندرك هنا أن اللغة أصبحت من متطلبات سوق العمل وليس معنى ذلك أنها أقل وطنية، بجانب عدد من القيم الثقافية الجديدة التي تمنحها له لتجعله مواكبا للعصر أكثر ولكل ما هو جديد.
الدكتورة سهيرة، تابعت قائلة: ما يجب أن نخشاه هو المدارس الدولية والأجنبية كالمدارس الألمانية والأمريكية والفرنسية والكندية والروسية غيرها من تلك المدارس، التي تعمل على غرس انتماء الطالب منذ صغره لبلد تلك المدرسة عن طريق غرس حب انتمائه له وتعريفه بتلك الحضارة، وجعل الطالب مفتونا به عند مقارنته بالبلد الذي ولد فيه، من خلال زيارة الطلاب لهذا البلد خلال الفصل الدراسي، والعيش فيه لمدة واندماجه مع حضاراته وثقافته وعاداته وتقاليده.
وأشارت أيضا، إلى أن الدولة تناست دورها بشكل نهائي مع تلك المدارس، وما تقوم بتدريسه للطلاب من قيم وثقافات، قد تكون متنافية مع قيم المجتمع المصري، واصفة الدولة بـ«النعامة»، التي تضع رأسها في الرمال.
وطالبت بأن تكون هناك متابعة جيدة على أهمية عزف النشيد الوطني المصري بتلك المدارس، كما يتم عزف النشيد الوطني الألماني أو الفرنسي أو غيره، موضحة أيضا أن البيت له دور، مهما اختلفت نوعية التعليم في مصر، فهو المؤثر الأول على الطفل والأساسي لتنمية الروح الوطنية وغرسها عند الطالب منذ الصغر عن طريق التوعية وغرس القيم والمورثات والعادات والتقاليد- على حد قولها.
من جانبه قال الدكتور خالد فرجون، عميد كلية التربية جامعة حلوان: المدارس الدولية والأجنبية هي التي تعمل بشكل كبير على إضعاف روح المواطنة لدى الطلاب، أما التعليم العام والخاص أو التجريبي فهو عبارة عن أنماط للتعليم المصري وليس ازدواجية، ويمكن القول إن التعليم الدولي في مصر «شيء يضحك»، وذلك لعدم وجود قوانين وشروط منظمة لتلك المدارس، تضمن على تدريس التاريخ المصري والتربية الوطنية للبلد التي يعيش به ومعرفة تاريخه وحضارته.
«فرجون»، أوضح أيضا أن «التعليم الدولي يكون الطالب به أقل وطنية من المدارس الحكومية أو الخاصة؛ لأنه يتم التدريس له كل ما يخص المجتمع الآخر من ثقافة ولغة وتاريخ منذ الصغر، ما يجعل الطالب المصري يجهل تاريخ بلده، ولا يمثل مصر، كما أنه يتعامل معها لكونها بلدة نامية، وفقًا لما يتم تدريسه له».