استهدى بالله يا شعب وخد السم
منذ أكثر من شهرين أصدر الدكتور عصام فايد قرارًا بسماح الاستيراد القمح المصاب بنسبة عالية من «الإرجوت»، القرار الذي التقطته وسائل الإعلام بالتحليل والتدقيق ليعودوا بعنوان واحد هو أن ما يحدث باختصار «تسميم لبطون المصريين».
تلك التقارير لم تتحدث من فراغ بل استعانت بتقارير مجلس الوزراء عن هذا القمح، والتي أكدت أنه بكل الأحوال لا يجوز دخوله إلى مصر، بعدها أصدر «فايد» قرارًا بحظر استيراد أي قمح مصاب بالإرجوت وكانت أولى الشحنات المرفوضة تتبع روسيا.
في أكثر من تقرير كشفت "فيتو" أن لصدور القرار ولإلغائه وجهًا آخر يتمثل في مستوردي الحبوب الذين يرون أن من مصلحتهم استيراد هذا القمح الرخيص مقارنة بالأنواع الأخرى، وذلك لتحقيق مبالغ مالية طائلة من قوت الشعب المطحون بين غلاء الأسعار وجشع المحتكرين، الأهم من ذلك أنهم بدءوا في الترويج لحظر روسيا للصادرات المصرية بسبب رفض شحنة القمح المصاب بالإرجوت وكان ذلك قبل صدور القرار رسميًا الأمر الذي دفع وزارة الزراعة إلى التأكيد أنه لا نية للرضوخ لأي تهديدات !
أعلنت روسيا حظر الصادرات، أحس الجميع بالخطر، «الحكاية قلبت جد»، بوتين غضبان، القاهرة ركبها سابت، بدأ الجميع خطة إقناع الشعب المصري بضرورة تقبل الأمر، أن ينسى ما قالته وسائل الإعلام المغرضة، لم يذكروا تقارير مجلس الوزراء ولا قرار وزير الزراعة أصبح كل همهم هل فطر الإرجوت ضار جدًا أم ضار فقط !
خلال الأيام السابقة بدأت حملة لتلميع «الإرجوت»، برامج تفرد المساحات لتصحيح الصورة لدى المواطنين، الأمر ليس بهذا السوء، هناك مؤامرة لضرب العلاقات المصرية الروسية - لاحظ أن تلك البرامج هي التي دومًا تدافع عن أي قرار للحكومة - بعض المختصين التفوا حول الأمر بطريقة أن الأمر يتعلق بالنسب.
المستشار الإعلامي لوزارة الزراعة كان حاضرًا في قضية الإرجوت بقوة ففي يناير الماضي أكد عيد حواش إنه لا استيراد للقمح المحتوي علي الإرجوت فهو سم يدخل بطون المصريين، وهو الأمر الذي نفاه في يوليو الماضي حين سمح وزير الزراعة باستيراده فأكد أنه قرار صائب، عاد مرة أخرى في رأيه حين قرر عصام فايد منع الاستيراد، والغريب أن كل تلك الآراء منشورة كل رأي على حدة في الوقت الذي قيل فيه ذلك التصريح، وانتهت القصة بإقالته بالأمس !
بعد تصريح «حواش» أعلنت وزارة الزراعة إلغاء قرار الحظر والسماح بالاستيراد مستندة إلى أن المواصفات المصرية متماشية مع شحنة القمح الروسي، مستشار الوزير أبواليزيد أكد في مؤتمر منذ شهرين وهذا مسجل بالفيديو أن المواصفات المصرية نحن أنفسنا لا نعترف بها وتحتاج إلى تعديل مما دفع مجلس الوزراء إلى تشكيل لجنة فنية لتعديل تلك المواصفات !
الحفاظ على أرواح المصريين ليست من ثقافة حكوماتنا، ذات يوم وقف وزير الري يقول إن مصرف الرهاوي مختلط بمياه الصرف الصحي ونحاول معالجته، بعض مسئولي الوزارة ذاتها ابتكروا مصطلح مصارف الموت، تلك المصارف التي لم تتوقف يومًا عن الجريان للوصول إلى جوف المصريين، قس على ذلك أشياء كثيرة لا تعد ولا تحصى.
ماراثون تحليل «الإرجوت» دلالة واضحة على ما وصلنا إليه، ليس الآن ولكن منذ زمن، لم يبق أن يخرج علينا مسئول ليقول «استهدى بالله يا شعب وخد السم» على غرار ما قاله العظيم محمود الجندي في فيلم الفرح وهو يقنع سوسن بدر بالرقص في جملته الشهيرة «استهدي بالله يا بنتي وقومي اقلعي».