رئيس التحرير
عصام كامل

جرائم العنف ضد الأطفال


جريمة نرتكبها في حق الأجيال القادمة.. هي تجاهل حقوق الأطفال في التربية السليمة، وإنقاذهم من العنف الذي يمارسه الكثيرون، من المتعاملين معهم، ضدهم.


لدينا وثيقة لحماية الطفل.. ولدينا مجلس قومي للطفولة، يمتلك ما يسمى "الخط الساخن لنجدة الطفل 16000".. جرب الاتصال به لدى وقوع مشكلة حقيقية لأي طفل.. سيجيبك موظف أو موظفة.. دون مستوى المسئولية.. همهم الوحيد تسجيل أكبر عدد من الحالات، حتى لو كانت وهمية.. المهم توثيق المساعدات التي يتم تقديمها.. لا يهم متابعة حالة الطفل، وتطورات الآثار النفسية، والتداعيات الاجتماعية، وموقف الأسرة.. الخدمة تحولت إلى "بيزنس"، لا أكثر!

حينما يتعرض الطفل، خاصة في الريف، لموقف صعب، وكثيرا ما يكون من شخص مقرب، تجد الأسرة نفسها في موقف شديد الغموض.. إلى من تلجأ؟! كيف تتصرف؟! إما أن تسلك طريق القانون، وهنا غالبا ما سيضيع حق الطفل؛ لأن القانون معناه "الروتين" والأوراق.. طبيب المستشفى ليست لديه الصلاحية لإصدار تقرير بالحالة.. ورجال الشرطة كثيرا ما يقفون مواقف رائعة، سيما الضباط، ثم يأتي دور النيابة، التي تعتمد على "شطارة" المحامي.. فإذا لم يكن أهل الطفل قادرين على تكاليف وأتعاب "محام كبير"، فإن حق الطفل هنا مهدد بالضياع.

والخيار الآخر أمام أسرة الطفل، هو اللجوء للعنف المضاد، وهو الطريق الأسرع، والذي يشفي الغليل، لكنه خروج عن القانون، وإعلاء لمبدأ الثأر والانتقام!

أعرف حالة، تعرض فيها طفل (4 سنوات) لمحاولة اعتداء جنسي.. وتأخرت النيابة في عرضه على الطبيب الشرعي 12 يوما كاملة، ضاع خلالها أي أثر للجريمة، وضاع معها حق الصغير.. إما لتراخي المحامي، أو انشغال وكيل النيابة العامة، وقد وقف ضابط المباحث موقفا شهما، وسجل تحرياته، وأبدى استعداده للمثول أمام النيابة.. دون جدوى، فقد جاء تقرير الطبيب الشرعي: "لا أثر لوقوع اعتداء"!

وتم حفظ التحقيق، أكثر من مرة.. وحاول دفاع الطفل المجني عليه تحريك القضية وفتح التحقيق كثيرا، وتوجهوا بمناشدة النائب العام دون طائل.

المطلوب تشديد الرقابة على "خط نجدة الطفل"، وتفعيل المجلس القومي للطفولة، وتعديل اللوائح والقوانين بحيث يسمح لطبيب الاستقبال في أي مستشفى بتحرير تقرير فوري، حتى لو مبدئي، بالحالة المعروضة عليه، في جرائم العنف ضد الأطفال، وعدم الانتظار لحين عرضها على الطبيب الشرعي، وأن تأخذ النيابة بروح القانون في تلك النوعية من الجرائم، بحيث لا تكتفي بالاستجابة لطلبات الدفاع، بل عليها أن تتحرك من واقع خبراتها، وإنسانيتها، للإسراع بتوفير أدلة الإدانة، وتقديم الجاني للمحاكمة العاجلة، ليكون عبرة لمن تسول له نفسه تكرار الجريمة، أو ارتكاب جريمة أخرى.

العنف ضد الأطفال واحدة من أخطر المشكلات التي تؤرق العالم في الوقت الراهن، في ظل التزايد الرهيب في أعداد الأطفال ضحايا هذا العنف، وفق تقارير المنظمات الدولية والإنسانية المعنية بالطفولة، التي تؤكد تعرض ملايين الأطفال في أنحاء متفرقة من العالم لأشكال كثيرة من العنف من جانب الجيران أو الأقارب، أو فئات أخرى، وهو ما يهدد الصحة الجسدية والنفسية لهؤلاء الأطفال (ضحايا العنف).

والمعلومات الإحصائية التي تصدرها المؤسسات الإنسانية الدولية المعنية بالطفولة تؤكد، على سبيل المثال، أن مليونين من الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون العنف الذي يمارسه الكبار ضدهم، وأن هناك ما يزيد على 300 ألف حالة اعتداء جنسي بدرجات متفاوتة، والمشكلة أننا لا نهتم كثيرا بالأرقام في مصر.

يكفي أنهم لا يعرفون حقوقهم، ولا نهتم بالتنقيب عن المواهب والكوادر الصالحة لقيادة مصر في المستقبل، بينهم، بل ونقتل حالات الإبداع فيهم، بتعويدهم على الحفظ والتلقين، لا الفكر والمناقشة والحوار.. يكفي أن المدارس تحولت إلى مبان خرسانية، وعلب "سردين".. نحتاج للاهتمام قليلا بالأطفال، وأن نستعيد حقوقهم إذا ما تعرضوا للعنف والاعتداء.
الجريدة الرسمية