رئيس التحرير
عصام كامل

معذرة يا فضيلة الإمام


الهجوم الذي أطلقه وفرة منا، وعدد لا بأس به من الكتاب السعوديين على فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كان كفيلا بأن يهجرنا الرجل إلى خلوة أو اعتزال أو هروب من دنيا بشر لا ترحم ولا تفكر ولا تريد أن تفكر، فما أن صدر بيان مؤتمر جروزني عاصمة الشيشان، إلا وانطلقت هجمات من القاهرة والرياض، لدرجة أن أحدهم ألغى تاريخ الأزهر الشريف بجرة قلم، لأن شيخه وقع على بيان أخرج الوهابية من المذهب السنى، والسؤال: هل الوهابية من الإسلام أصلا؟!!


لست شيخا معمما كما أنى لست دارسا بالأزهر، ولا أنتمى إلى مؤسسة دينية غير أنى مسلم أوقن أن قلبى هو المفتي الصادق الأمين، وأعرف الأشجار من ثمارها، وليس للوهابية إلا ثمار دم وقتل وتخريب وتدمير.. كل المنتجات التي أخرجتها الحركة الوهابية لا تصب في خانة البناء الإنسانى، أو الإسهام الحضارى، ويكفينا أن تكون ثمرتها اليانعة حتى اليوم هي القاعدة التي أنبتت لنا الدواعش والنصرة وكل أطياف التطرف في العالم.

أليست الوهابية هي التي أنتجت من التفخيخات والتفجيرات ما ينهش في اللحم السوري ليل نهار؟.. أليست هي ذاتها منتجة أسامة بن لادن ورفاقه في التخريب؟.. ألم تقدم لنا ورش الإرهاب الوهابى حركة سلفية في مصر ترى أنه إذا تعارض نص الحديث مع القرآن الكريم فالأولى للحديث.. أي والله يلغون القرآن في مواجهة الحديث، وقد قال أحد مبشريهم: إن القرآن نسخ بالحديث.

الأفكار الظلامية التي قدمتها الوهابية للعالم بدأت تتجه للداخل السعودي، بعد أن زرعت كل ألوان الموت في العالم، وأولى درجات المواجهة الحقيقية لهذا الخطر على الكيان السعودى، لابد وأن تبدأ بالمواجهة الفكرية، وإعادة النظر في كل الأفكار التي طرحتها الوهابية، إذ أن التاريخي والثابت أن ظروف نشأة السعودية ومعها المباركة الوهابية كانت تفرض هذا التشدد، لإنشاء كيان سياسي يعتمد على مرجعية دينية.

الظروف التاريخية تغيرت، ولم يعد هناك مبرر لهذا العنف الدينى الذي أفرغ الإسلام من مضمونه، وقدم للبشرية دينا جديدا، دينا غليظا، يؤثر الكراهية على الحب، ويؤمن بالقتل طريقا لأسلمة الناس، ويرفض الآخر ويهمشه، ويكفر الديانات الأخرى، ويسخر منها ويدعو لقتال أهلها، صورة قاتمة للتعبد المبنى على الخوف، دينا لاحب فيه، الغلظة عنوانه، والتشدد فحواه، دينا لاعلاقة له بما نعرف عن إسلامنا، إسلام الرحمة المهداة.

المتابع لنشاط الوهابية في العالم لابد وأن يؤمن بخطرها الداهم على الصورة الذهنية لدين الله الخاتم.. إن هذا الحصار الذي نعانيه إليكترونيا وورقيا وفضائيا وإذاعيا يدعونا إلى التأمل مع أشقائنا بالمملكة لدراسة الأمر، ومواجهة الخطر الداهم الذي يهدد الإنسانية كلها.

سافرت كثيرا إلى مكة المكرمة، وزرت المدينة المنورة مع نفسي ومع أولادي، وأخذت عهدا أمام الله ألا تدخل مطبوعاتهم إلى بيتى ماحييت، حيث لا أثق فيما يطبعون إلا المصحف الشريف، أما ما دونه فإن القلق والخوف والهواجس تطاردني، ويكفيني أن أساتذة لي كانوا أنوارا تضئ في مدارسنا، عندما سافروا إلى هناك للتدريس، عادوا إلينا بوجوه غير التي نعرفها، عادوا بلحى وجلابيب، بعد أن فقدوا مضامين التسامح والحب والرحمة.

في العام الماضى منّ الله علينا بنعمة الحج، أول مسجد دخلته لأداء صلاة الظهر، زينت جدرانه الأربعة لوحة واحدة "بانر" مطبوع بحجم ضخم يتحدث عن حُرمة قيادة المرأة للسيارة، لا أظن أن صلاتي قبلت، حيث شغلنى جهل المطبوع عن إخلاص النية، انتهيت من الصلاة وأعدت القراءة، لا أعتقد أن كاتب هذا الكلام الفارغ ينتمى أصلا إلى بشر صعدوا للقمر، واخترعوا منتجات جعلت العالم كله حارة نتعايش فيها معا، رغما عن فكرة انفراد المرأة بـ"الفتيس"!!

لا أقرأ كتبهم، ولايجب أن نترك أولادنا ينحرفون بإنتاجهم الفكرى، أغادر أي موقع إلكترونى أشتم فيه رائحة سعودية، رحمة بما منّ الله علينا به، وأدعو إلى تفتيش الحجاج عند عودتهم؛ لمنع دخول كتبهم، كما أدعو لحملة من مثقفي مصر والسعودية لمواجهة هذا الأخطبوط الإلكترونى الذي ينتشر كالسرطان.. إنني على يقين أن جيلا جديدا بالمملكة نلتقيهم في أسفار خارج الحدود فرغ صبرهم على هذا العته الذي تصدره كتب الوهابية من صورة سلبية عن أعظم دين دعا للرحمة، في مواجهة دين جديد لم يقدس شيئا في الحياة إلا القتل باسم الرب.

لكل ماسبق وغيره فإنني أدعو الأزهر الشريف إلى مواجهة حقيقية ودعوة مخلصة للأشقاء بالمملكة لهذا الفكر المتطرف، وأخص فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر أن يتحمل في سبيل ذلك أكثر مما تحمل، وألا يعبأ بما أطلقته أقلامنا وأقلامهم.
الجريدة الرسمية