حسن الشقطي يكتب: «القيمة المضافة».. غلاء الأسعار وغياب القطاع الخاص
تعتبر مصر ضمن الدول الأقل فرضا للضرائب.. فعلى مدى العقود الماضية وفي ظل الضخ السياحي وتحويلات المصريين بالخارج وإيرادات قناة السويس لم تكن مصر في حاجة لفرض المزيد من الضرائب.. بل الشاهد أن التهرب الضريبي كان شائعا بمصر.. الآن الإيرادات الحكومية ضعفت وبعضها اختفي كالسياحة، وتفاقمت أزمة الدولار، فضلا عن تزايد معدلات الركود الاقتصادي على مستوى كافة الأنشطة، مما اضطر الحكومة للمراجعة الضريبية أو لنقل لخلق إيرادات ضريبية تغطي أكبر جزء ممكن من الإنفاق الحكومي في الموازنة.
بداية البعض يعترض على مجرد فرض ضرائب جديدة، وهو لا يعلم أن معدل عوائد الضريبة للناتج المحلي الإجمالي بمصر يعتبر متدنيا مقارنة بالمتوسط العالمي، ففي حين يصل بمصر إلى 15.8%، فإنه يصل إلى46.1% بفرنسا ونحو 42.6% بإيطاليا و40.6% بألمانيا و39% ببريطانيا و26.9% بالولايات المتحدة الأمريكية. وكمتوسط يبلغ 34.8% في الدول الصناعية المتقدمة عموما. بمعنى أن مجرد فرض ضرائب جديدة بمصر يمثل أمرا طبيعيا وربما تأخرنا فيه كثيرا.
موازنة مصر15/2016 بلغت 865 مليار جنيه، وبلغت إجمالي الإيرادات 622 مليار جنيه، منها 422 مليار كضرائب، أي العجز النقدي بلغ 242 مليار جنيه، وعليه فلا مفر من تدبير هذا العجز مستقبلا من خلال إصلاح ضريبي يرفع معدل الضرائب إلى 25% من الناتج على الأقل، أي أن عوائد الضرائب بمصر يجب أن تكون 708 مليارات جنيه، أي أن المنطق الاقتصادي يؤكد ضرورة رفع إيرادات الضرائب بمصر من 422 مليار جنيه إلى 708 مليارات.
إلا أن المشكلة الحقيقية هي كيف سنفرض هذه الضرائب ؟ وهل ضريبة القيمة المضافة المقررة حاليا هي الطريق الأمثل ؟ وما هي تأثيراتها على عموم الشعب المصري الذي يندرج ضمن الطبقات الفقيرة ؟
يوجد هناك ثلاثة أشكال رئيسية للضرائب هي:
1. الضرائب على الانفاق والتداول: مثل الضرائب الجمركية، ضريبة المبيعات، ضريبة القيمة المضافة.
2. الضرائب على الدخل والأرباح: مثل ضرائب على الدخل الشخصي وضرائب على أرباح الشركات.
3. الضرائب على الثروة والإرث: مثل ضريبة امتلاك العقار وضريبة التركات.
لكي نطمئن على إيجابية الرفع الضريبي الحالي لابد من فحص هيكل إيرادات الضريبة الحالي بمصر، عوائد الضرائب تتكون من 214 مليار ضرائب عامة على الدخل، ونحو 160 مليار جنيه ضرائب على المبيعات ونحو 27 مليار جنيه ضرائب جمركية.. إن نقطة الضعف في هيكل الضرائب بمصر يتركز في الضرائب المرتبطة بالشركات، والتي لو جمعنا كل قيمها لن تزيد عن 60 مليار جنيه كضرائب على الدخل للأنشطة المهنية والتجارية والصناعية وضرائب الشركات، وهي قيمة زهيدة لا تتناسب مع حجم النشاط التجاري والصناعي والمهني بمصر.
كما نلاحظ أن الهيكل الضريبي ينصب على الأفراد الطبيعيين أكثر منه الشركات الاعتبارية، كما أن هذا الهيكل يوضح أن مقدرة المنتج أو الشركة على ترحيل العبء الضريبي وتحميله على المستهلك تعتبر عالية، فضرائب المبيعات بسهولة يمكن اكتشاف أنها ترحل إلى فواتير المواطن.
وعليه، فإن فرض ضريبة القيمة المضافة يدخل ضمن النوع الأول من ضرائب الانفاق والتداول، وهي ستضاعف من العبء الضريبي على المستهلكين عموما لأنها تفرض بناء على الفارق بين سعر التكلفة وسعر البيع للمستهلك، فهي ضرائب تفرض على تكلفة الإنتاج.
هذه الضريبة، كما تم التصريح، يمكن أن تولد إيرادات جديدة ما بين 5 إلى 15 مليار جنيه، إلا إن تأثيرها الحقيقي قد ينصب في ارتفاع أسعار العديد من السلع بنسب 6.5-13%.
ومن الواضح أنها ستسهل على الحكومة جباية إيرادات في القطاعات الخدمية والسلعية المنظمة، والتي على رأسها الأدوية والاتصالات والنقل وكافة السلع المستوردة.. إلا أن هذه السلع بعضها سلعا قائدة (تقود أسعار السلع الأخرى) يمكن أن تؤدي إلى مزيد من التضخم.
بكل بساطة ضريبة القيمة المضافة هي تطور أو تضخيم لضريبة المبيعات، وضريبة المبيعات غالبا يقع عبئها بالكامل على المستهلك.. وإقرار هذه الضريبة في اعتقادي نتج عن الهوة وضعف قنوات التواصل والتفاوض لمراجعة هيكل الضرائب المفروض على الشركات والنشاط التجاري والصناعي والمهني بمصر.
هدف أي إصلاح ضريبي هو زيادة النمو الاقتصادي، وأن يكون ارتفاع إيرادات الضرائب ليس نتيجة لارتفاع معدلات الضريبة، ولكن نتيجة لازدياد معدل النشاط الاقتصادي وارتفاع أرباح الشركات.. مع مراعاة تحقيق العدالة وفرض الضريبة على القادرين على دفعها، وتخفيف آثارها على الفئات غير القادرة.
في اعتقادي أن ضريبة القيمة المضافة تم التعجل في فرضها.. فرغم وجود تأثير إيجابي لها في رفع الإيرادات الضريبية، إلا إن قيمة هذه الزيادة لن تكون كبيرة ولا تستدعي تحمل فاتورة أعبائها السلبية في زيادة التضخم عموما، والتي سيتسبب في الإضرار بالطبقات الفقيرة، لأن الضريبة يزداد عبئها بزيادة الاستهلاك، والطبقات الفقيرة والمتوسطة أعلى استهلاكا من الطبقات الغنية عموما.
وعليه فإن عبء القيمة المضافة سيظهر في ارتفاع جديد في أسعار غالبية السلع والخدمات والتي تقود إلى رفع معدل التضخم واللي تصب جميعها في أعباء إضافية على الطبقات الفقيرة والمتوسطة.. وخير مثال على تأثيرها بعد إقرارها بأيام قليلة هو ارتفاع أسعار الأدوية بنسبة بلغت 8.5% في المتوسط قياسا بأسعار حليب الأطفال غير المدعم. فضلا عن ارتفاع كروت شحن الاتصال بنسب بلغت 22%. أما عن الارتفاع في أسعار السيارات، فقد ارتفعت عن أسعار العام الماضي بنسبة 42% يتداخل فيها تضخم الدولار، مع تضخم القيمة المضافة.
ناهيك أن الاقتصاد المصري يمر بحالة تزامن الركود والتضخم في ذات الوقت والتي تعرف بالتضخم الركودي، فإن الفترة الزمنية الحالية لم تكن مناسبة للتطبيق، وكان يفضل انتظار حدوث نوع من الانتعاش نسبيا. أما الأمر الأخطر، فإن هذه الضريبة يتزامن تطبيقها مع ارتفاع السعر السوقي للدولار بنسبة تزيد عن 42% عن السعر الرسمي. وبالتالي سيحدث نوع من التزاوج عند تطبيق ضريبة القيمة المضافة مع فرق سعر الدولار بالسوق الرسمي. فكل مستورد يفرض فارق السعر السوقي للدولار على المستهلك، وأيضا سيفرض عبء ضريبة القيمة المضافة، فتتضخم أسعار السلع المستوردة والتي تمثل قطاع عريض من سلع المستهلكين.
إن مشكلة الهيكل الضريبي المصري هي في ضرائب الدخل على الشركات، وهي تمثل النسبة الأقل عالميا، إلا إن عزوف المستثمرين المصريين والأجانب قد يقف حجر عثرة أمام رفع الضرائب على الشركات الآن، ويرجع ذلك إلى فجوة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص.. والأمل في إزالة هذه الفجوة وتلمس شراكة حقيقية للقطاع الخاص في الاقتصاد المصري، ومن ثم رفع الوعاء الضريبي على دخل الشركات لكي يلعب دوره التنموي المعتاد في بقية دول العالم.