حسن البنا بائع الوهم
وقف كثيرٌ من الباحثين عند شخصية سيد قطب وأثرها في جماعة الإخوان، وكان المستفاد من دراسة فكر سيد قطب أنه هو الذي أدخل الإخوان إلى التطرف والإرهاب وقسمة المجتمع إلى قسمين، قسم المجتمع المسلم المؤمن الذي يسعى لتطبيق الإسلام، وقسم المجتمع الجاهلي الذي يحارب المجتمع المسلم، ولكن هذا التفسير لفكر الإخوان ومسارهم عبر تاريخهم هو في الحقيقة تفسير مخل، حيث أبعد هذا التفسير حسن البنا عن دائرة التطرف، واعتبره صاحب الفكر الوسطي الذي انحرفت الجماعة عنه، إلا أن الأمر لم يكن كذلك، فحسن البنا هو صاحب الفكر التكفيري المنحرف، يبدو ذلك جليًا من رسائله ومقالاته ومذكراته بل حياته كلها وخاصة رؤيته لنفسه وتقديسه لها.
كان إحساس البنا بإماميته للأمة ظاهرًا حين أطلق على نفسه لقب "الإمام" حينما كان لا يزال في بدايات شبابه، والحق أن الغلام الصغير حسن البنا الذي لم يكن قد شب عن الطوق بعد كان يتنفس أكسجين "الإحساس بالذات"، فقد أُشربت شخصيته روح الزعامة لدرجة أنه كان يشعر وكأنه هو الإسلام وكأن الإسلام هو، أو على أقل تقدير كأنه هو نبي الإسلام، وبالتواضع كأنه هو المهدي المنتظر من أهل السنة، والإمام الغائب عند أهل الشيعة.
وفي هذا السياق يقول المرحوم محمود عساف، سكرتير حسن البنا في مذكراته ناقلًا كلمات قالها له البنا (انظر يا محمود إن الإيمان بالإسلام يقوم على شهادتين: لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولا تصلح الشهادة الأولى وحدها ليصير الشخص مسلمًا ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يتجسد الإسلام في شخصه، وبالتالي يجب أن يكون الإيمان بالفكرة وصاحبها معًا فلسنا جمعية ولا تشكيلًا اجتماعيًا، ولكن نحن دعوة فلابد من الإيمان بها والسير على نهج داعيتها والعمل على تطبيق أفكاره).
وضع حسن البنا نفسه في مصاف النبي، صلى الله عليه وسلم، فلطالما أن إسلام المرء لا يتم إلا بإيمانه بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإن إيمان الإخواني لا يتم إلا إذا آمن بحسن البنا، وضع البنا نفسه في مقام النبي، ووضع كلمة الدعوة في مقام الإسلام، وعلى هذا الأمر سار الإخوان، فهم يقولون دائمًا عن حسن البنا إنه "صاحب الدعوة" وكأن الرسول، صلى الله عليه وسلم، تنازل عنها للبنا، وسبحان الله! مرة يقول فريقٌ من الشيعة إن "الدعوة كانت لعلي بن أبي طالب" ومرة يقول الإخوان "إن البنا هو صاحب الدعوة" وكأن هناك تنازع في ملكية الدعوة!.