الهوجة مع الرايجة!
لم أشاهد أيًا من أفلام العيد، لكنى شاهدت الإعلانات الخاصة بها مثل الجميع، ومثل الجميع أيضًا أرى أن الأفلام كُلها سارت بلا استثناء في طريق السطحية البحتة، شوية إيفيهات واستظراف مع رقصة أو طبلة وخلص الفيلم على كده وكُل سنة وأنت طيب!
الاستسهال إذن هو القاعدة، والتقليد والسباحة مع الموجة الرايجة صار طبيعة حياتنا، لو قامت ثورة ونجحت فالجميع ثوار، يلعنون ويسبون ويحرقون في أي شيء ويهاجمون كُل شيء، يرغبون في اختراع المعارك والكر والفَر للعب دور البطولة، ولو اشترى أحدهم توك توك ونجح في السير به في شارع رئيسى أو جانبى فسيكون في مصر أكثر من 90 مليون توك توك، وتخيَّلت ذات يوم من كُتر التكاتك في كُل خُرم في البلد أنى مُمكن أصحى في يوم ألاقى توكتوك ماشى جنب السرير!
أما التحرُّش فصار سلوكًا وفعلًا مُلازمًا للأعياد والتجمُعات، واحد أو مجموعة من الفتيان الجهلة قرروا التصرُّف بحيوانية فهجموا على فتاة أو أكثر في زحام العيد فوق كوبرى أو في حديقة، لا عقاب هُنا لسببين؛ الأول أن الأمر خاص ببلطجة تجعل الكثيرين يفضلون عدم الزج بأنفسهم في معركة مش بتاعتهم، والثانى أن البعض يقنع نفسه أن الفتيات الضحايا يلقين العقاب المُناسب لهن بسبب ملابسهن أو مظهرهن، فيرتاح ضميره قبل أن يدخُل السينما يشوف فيلم العيد!
عامل آخر مُشجِّع على ارتكاب مثل هذه الجرائم أنه لا رادع لها، خاصةً بعد أن يتدخَّل أعضاء البرلمان من أبناء الدائرة لحماية المُتحرشين بداعى الحفاظ على مُستقبلهم ومنع ضياعه لو حصُل أحدهم على حُكم قضائى بالسجن وهذا شبه مُستحيل لأن إثبات الواقعة وسؤال المُتهمين والاستدلال بالملابس الخارجية والداخلية ومسرح الجريمة واستدعاء الشهود والفضيحة للفتاة وتجريس أهلها لن يُجدى نفعًا وفى الآخر المُتحرش هياخد براءة لعدم كفاية الأدلة.. طيب لماذا لا نتحرش ونساير الموجة إذن؟!
وعن موضة رفع الأسعار من جانب التُجار فالحجة واضحة والندب مؤكد من جانب البعض، الحكومة عملت قانون لضريبة جديدة وبدأ تطبيقه، بالتأكيد التاجر الجشع-وكُلهم كذلك- قام بتنفيذ القانون قبل أن يتم تطبيقه بالفعل طالما كان في مصلحته فهنا القانون معشوق وواجب النفاذ وبأثر رجعى كمان، يعنى إيه؟ يعنى حضرته شارى البضاعة بالسعر القديم قبل الزيادة، لكن بمُجرَّد بدء الحديث عن اقتراب تطبيق القانون، وقبل حتى ما ينزل في الجريدة الرسمية ليكون نافذ المفعول، يقوم حضرته بتطبيقه على البضاعة المُشتراة بالسعر القديم ويرفع بكيفه ويبيع وينبسط ويروح يدخُل السينما علشان يشوف أفلام العيد ويحفظ إيفيهاتها كويس!
أما تصوير حيوانات الأضحية والسعى لجعل اللقطات نادرة وفريدة قبل رفعها وترويجها على الإنترنت ومواقع التواصل فهو أيضًا رايجة مُهمة مع الهوجة، ويتمنى الواحد منهم أن يقوم الحيوان-قبل ذبحه أو بعده-بأى فعل شاذ أو حتى طبيعى، كأن يحاول الهرب من مصيره الأسود أو يُغمى عليه من فرط الخوف أو يصرُخ، وفجأة تلاقى الدُنيا كُلها بتتكلِّم على الفيديو وصاحبه والحيوان بانبهار رغم أنها كُلها لقطات مُكررة مُنذ اختراع كاميرات الموبايل، وقريبًا قد يتم استبدال موضة أخرى بتلك الموضة التي صارت قديمة قِدَم التنين والديناصور كأن يبتكر أحدهم طريقة للسلخ قبل الذبح علشان يسير في خَط أفلام العيد أيضًا على طريقة (بوحة)!
للأسف إحنا شعب مقلداتى ماعندوش أي قُدرة على الابتكار ولا حتى رغبة، يكتُب أحدهم رواية رُعب فيتحوَّل كُل المؤلفين أو الراغبين في أن يكونوا مؤلفين لكُتَّاب رُعب، يقوم مطرب بتصوير فيديو كليب مع موديل عريانة تحِل من على حبل المشنقة، تلاقى الكُل جايبين لنا موديلات من كُل أنحاء العالم قادر جمالهن على أن يلغى عقوبة الإعدام خالص لا أن يحل من على حبل المشنقة مؤقتًا وخلاص، واحد يعمل حزب سياسي عبارة عن أوضة وحمام وبرَّاد شاى وكوبايتين تلاقى مليون حزب اتعملوا دون أن يستفيد منهم غير بائعى برادات الشاى والكوبايات والشاى والسُكر بعد ما يرفعوا السعر طبعًا!
عمومًا كُل سنة وحضراتكم طيبين وبخير، ونلتقى في العيد القادم لو عِشنا وكان لنا عُمر لكى نتبادل نفس الآراء لأن الواقع لن يختلف بالتأكيد!