هدنة «كيري ـ لافروف» في سوريا.. هل تصمد هذه المرة
مع دخول اتفاق الهدنة الأمريكي الروسي في سوريا حيز التنفيذ، يتبادر إلى الذهن عدم قدرة اتفاقات سابقة من هذا النوع على الصمود. فهل يلقى هذا الاتفاق أيضًا نفس مصير الاتفاقات السابقة؟ وما هي العقبات التي قد تعترض طريقه؟
دخل اتفاق الهدنة الأمريكي-الروسي بخصوص سوريا حيز التنفيذ في تمام الساعة السابعة بالتوقيت المحلي من مساء اليوم الإثنين (12 سبتمبر 2016)، الرابعة مساءً بتوقيت غرينتش. وبموجب الاتفاق، يمتنع النظام السوري عن القيام بأي أعمال قتالية في المناطق التي تتواجد فيها المعارضة المعتدلة.
كما ينص الاتفاق على وقف كل عمليات القصف الجوي التي يقوم بها النظام في مناطق أساسية سيتم تحديدها، ووقف القصف بالبراميل المتفجرة واستهداف المدنيين، فيما تلتزم المعارضة باتفاق وقف الأعمال القتالية.
ويمتنع الطرفان عن شن هجمات أو محاولة إحراز تقدم على الأرض. وتشمل الأهداف الأولية للاتفاق السماح بوصول المساعدات الإنسانية وعمليات عسكرية أمريكية روسية مشتركة ضد الجماعات المتشددة التي لا يشملها الاتفاق.
ترحيب وتحفظات ونقد لاذع
رحب كل من النظام السوري وإيران باتفاق الهدنة. وأعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية بدء تطبيق اتفاق الهدنة لمدة سبعة أيام.
وقالت القيادة في بيان: "يطبق اتفاق التهدئة على أراضي الجمهورية العربية السورية لمدة سبعة أيام، مع الاحتفاظ بحق الرد الحاسم باستخدام جميع الوسائط النارية على أي خرق من جانب المجموعات المسلحة".
كما أعلن حزب الله اللبناني دعمه اتفاق الهدنة، فيما رحبت وحدات حماية الشعب الكردية في بيان لها اليوم بالاتفاق. كما أعلن الجيش الروسي تعليق ضرباته "في كل الأراضي" السورية باستثناء المناطق التي يُطلق عليها وصف "الإرهابية".
ومن جهتها لم تحسم المعارضة السياسية والفصائل المقاتلة موقفها بعد، حتى ساعة إعداد هذا التقرير. غير أن مصدر بالمعارضة السورية قال لوكالة رويترز: إن الجماعات المسلحة الرئيسية في البلاد ستصدر بيانا خلال الساعات القادمة يدعم وقف الأعمال القتالية.
وأضاف المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه: إن "القرار اتخذ". وقال "خلال الساعات القليلة القادمة سيصدر بيان نقول فيه ذلك لكن سيتضمن الكثير من التحفظات الشديدة والملاحظات المتعلقة بالاتفاق ككل.
لكن كمحصلة نهائية نحن نوافق". وفي سياق متصل شنت حركة أحرار الشام، أحد أبرز الفصائل الإسلامية المقاتلة المعارضة، هجومًا على الاتفاق ووجهت انتقادات لاذعة له.
والجدير ذكره أن اتفاق الهدنة يستثني جبهة فتح الشام، جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، وتنظيم "الدولة الإسلامية".
مخاضات ما بعد ولادة الاتفاق
ويرى الباحث السياسي الأردني والمختص بشئون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية أن "الاتفاق ربما يكون خطوة تمهيدية في محاولة التوصل لحل، ولكن المشكلة أن هذه الهدنة غير متماسكة على الإطلاق". ولكن ما هي العقبات الرئيسة التي تعترض إخراج الاتفاق إلى حيز التنفيذ؟
أبو هنية لخصها في عدة مستويات: أولها أن "بنود هذا الاتفاق غير محددة وغير واضحة وينطوي على حالة من الغموض". لكن، هل الغموض الموجود بنص الاتفاق مقصود وسيكون بنّاء؟ عن ذلك يجيب أبو هنية: "ربما، ولكن يبقى هذا رهن بالخطوات اللاحقة.
في النهاية علينا الدخول بعملية سياسية وبالتالي ستتكشف الأمور. ربما يكون الغموض مفيد في البداية، لكن لاحقًا سيكون هذا الغموض عقبة، لأنه وكما يقال الشيطان في التفاصيل".
ومن الناحية السياسية يرى أبو هنية عقبتين أخريين تعترضان التنفيذ: "أولهما: عدم وجود أفق سياسي وتصورات واضحة لما بعد هذا الاتفاق. وثانيهما: مدى قدرة موسكو على كبح جماح النظام وقدرتها على ضبط النظام للالتزام به".
وأوضح أبو هنية بالقول: "يجب ألا ننسى أن النظام يعمل وفق تحالف واسع من الميليشيات، كحزب الله والميليشيات الشيعية وقوات الدفاع الوطني. وفي الطرف الآخر، طرف المعارضة.
وأعتقد أن الأطراف الفاعلة سواء حركة أحرار الشام أو جبهة فتح الشام، جبهة النصرة سابقًا، غير معنية بمثل هذا الاتفاق".
وتابع الباحث السياسي "لا نعرف بالضبط مدى قدرة الأطراف الخارجية، سواء الولايات المتحدة بالضغط على الجيش الحر وأطراف المعارضة، أو روسيا بالضغط على النظام السوري وحلفائه".
ومن الناحية الميدانية يرى أبو هنية أن تداخل القوى المصنفة إرهابيًا مع قوى المعارضة الأخرى هي "عقبة أخرى في طريق تنفيذ الاتفاق".
فأمريكا اتفقت مع روسيا على اعتبار جبهة النصرة خارج إطار الاتفاق، وجبهة النصرة متداخلة وتعمل بتنسيق كامل مع ما يسمى بتحالف جيش الفتح، حسب أبو هنية.
واعتبر الباحث السياسي أنه "لا يمكن الفصل بين مقاتلي جبهة النصرة وأحرار الشام وبقية الفصائل، مما يصعب الالتزام بعملية تطبيق حرفي وواضح لهذا الاتفاق".
وفيما يخص قدرة هذه الجماعات المُصنفة كجماعات إرهابية على خلط الأوراق وإجهاض اتفاق الهدنة، يرى أبو هنية أن هذه الجماعات هي "الفاعلة ورأس الحربة في قتال النظام السوري".
وجيش الفتح هو تجمع من عدة فصائل معارضة إسلامية أبرزها جبهة فتح الشام، جبهة النصرة سابقًا، وحركة أحرار الشام. وقد تم تشكيل هذا الجيش في 24 مارس 2015.
فرص صمود الاتفاق وما بعد الاتفاق!
لا يمكن الجزم بفرص صمود اتفاق الهدنة أمام ما ذُكر سابقًا من صعوبات. ويشكك الباحث السياسي حسن أبو هنية في صمود هذا الاتفاق. ويقول أبو هنية في مقابلته مع DWعربية:"يبدو أن هناك نجاح لمثل هذا الاتفاق في بعض المناطق. إلا أن التجارب السابقة في عملية الهدن لم تكن نتيجتها جيدة بالنسبة للمعارضة".
وتابع قائلا: "شاهدنا استثمار النظام للهدن السابقة في محاولة تهجير وربما تطهير عرقي كما حدث في داريا ومعظمية الشام، وكما يحدث في القلمون وجنوب دمشق ومخيم اليرموك وغيرها. هذا الأمر ربما لا يعطي أي تفاؤل في المستقبل حول تعامل الفصائل المعارضة مع مسألة الهدن بإيجابية".
ويعود ويؤكد أبو هنية أن من أسباب تدني حظوظ الاتفاق في الصمود هو عدم وجود "أفق ومشروع سياسي واضح لما بعد تطبيق هذه الهدن".
ومع اقترب الانتخابات الرئاسية الأمريكية وعلى المدى القريب، يبدو أن الملف السوري دخل الثلاجة، كما يرى أبو هنية.
ويقول: "قد يحصل تقدم أو تأخر هنا أو هناك لهذا الطرف أو ذاك. ولكن لا شك من أن هناك تجميد أو على الأقل محاولة تجميد الوضع الحالي لمنع حصول اختراقات جوهرية كبيرة من قبل كل الأطراف، وبالتالي حدوث تغيرات ذات طبيعة نوعية وإستراتيجية".
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل