رئيس التحرير
عصام كامل

«هو صحيح الهوى غلاب».. قصة حب فدوى طوقان والمعداوي (1-5)

فيتو

لم يكن للشعر في قلب شاعرته الفلسطينية فدوى طوقان أن يسلم من مواجع الدهر، وما للشعر زاد في الحياة سوى الوجع، فالشاعر الحق لايكون مبدعا إلا إذا استقى الألم فصار حالة شعرية جلية تسير مسرى الدم في جسده، أما فدوى فقد آلمتها الحياة وأفقدتها الكثير بعدما توفي والدها ثم أخوها ومعلمها إبراهيم، وأعقب ذلك احتلال فلسطين إبان نكبة 1948، وقد تركت تلك المآسي المتلاحقة أثرها الواضح في نفسية الشاعرة .


ولكن جل ما آلم قلب فدوى وكسره، هو حبها الذي بقي سرًا واحتفظت به عبر رسائل تناثرت بينها وبين الناقد المصري أنور المعداوي، فقد كان العشق بينهما مختزلا في حبر رسائلهما، ليبقى من بعدهما شاهدًا على ما كان من دقات قلب نبضت ولم يستجب الواقع لنبضه، فقد تشابهت طريقة حبها بحب ومراسلات جبران خليل جبران ومي زيادة.

مظلومة العمر والشعر
وقد كان من الرسائل التي نشرها الناقد رجاء النقاش، إحدى رسائل المعداوي لفدوى يقول فيها: "هل تصدقين أنني قضيت الليل كله حتى الصباح وحيدا مع شعرك؟ معذرة يا فدوى فقد كان معي رفاق آخرون، كانوا من النيل والليل والأرق والسكون، إنهم رفاق قدامى ليس فيهم من جديد غير شعرك وأرقي، ومع هذين الرفيقين الجديدين قضيت الليل كله حتى الصباح، إن شعرك أرق مني الشعور قبل الجفون، شعرك هذا الذي طالعت من ورائه قصة العمر التي كتبها بمداد الشجن ظلم الحياة.

أنت يا مظلومة العمر ويا مظلومة الشعر... ماذا أقول لك؟ أتذكرين تلك الكلمة التي كتبتها يوما على صفحات الرسالة ووجهت فيها الحديث إلى الله، حيث قلت: رباه، هل تأذن لي في أن أعتب عليك؟! انبعث هذا الهتاف الملتاع مرة واحدة في حياتي وطالما قلت لنفسي إنه لن يتكرر، ومع ذلك فقد تكرر بالأمس وأنا اقرأ قصة حياتك ومعي الليل والنيل والأرق والسكون".

فدوى القديسة
يقول المعداوي- في إحدى رسائله التي يعترض فيها على بعد المسافة بينهما، وحبهما عن طريق الرسائل -إنها قديسة على اختيارها تلك الطريقة: "لا يا فدوى، إن الحب عاطفة مقدسة، وإذا كنت قد اعترضت على حبك يوما فهو اعتراض على أسلوب هذا الحب، على أن صلوات شعورك قد رتلت يوما في معبد لا تعي جدرانه حرارة الدعاء.

أنت قديسة، لأنك عرفت الحب على حقيقته المثلى وهو مناجاة بريئة، تُرى هل أنت معي يا فدوى وأنا أغترف من نبع الشعور هذه الكلمات؟".

للموت أهواء أخرى
ماكان الموت ليرضى لهذه القصة أن تكتمل، رغم أن العاشقين قد اكتفيا بأبسط أساليب العشق على الإطلاق، لم يطلبا الكثير! فقط حب أفلاطوني على مسافة الصحاري والبحار التي تقطعها الرسالة للوصول.

فقد باغت الموت المعداوي في ستينيات القرن الماضي، وعاشت على نهج الذكري العطرة حتى لحقت به في 12 ديسمبر 2003.
الجريدة الرسمية