رئيس التحرير
عصام كامل

القيمة المضافة «في شقة مصر الجديدة»


جمع رجل على أعتاب الستين من عمره، يعيش في ولاية نيوجرسي الأمريكية، تحويشة السنين وذهب بها إلى إحدى الشركات العقارية لحجز شقة في منتجع ملأ الدنيا ضجيجًا بإعلاناته، على طريقة كورنيش لندن ومعمار باريس وجمعنالك أحلى ما في الدنيا وسط أهلنا الأمريكيين الطيبين اللي مش بيقدموا «فروج» ضفادع، ويوفر لملاكه أسلوب حياة، لكن كانت المفاجآت في انتظاره.


بعد أن حرر الستيني العقد مع الشركة وذهب لزوجته مبشرًا، طالبًا منها جمع ما خف وزنه وغلا ثمنه وترك شقتهم القديمة، وافقته على امتعاض لأنها كانت ترغب في تأجير عربة كارو لتحميل العفش والكراكيب التي أحبتها بطول السنين والعشرة، لكن الزوج رفض ذلك واعدًا إياها بحياة الموسرين في منتجع العمر، وحين وصولهما طلب منها أن تدخل الشقة برجليها اليمين وكادت تطلق زغرودة، وعلى غير انتظار وجدا في انتظارهما رجل أمن طلب منهما إثبات الشخصية وبعد أن مرر عينه على الاسم والسن حتى انتفخت أوداجه وتطاير الشرر من عينه وطلب من الزوج أن يخرج زوجته من الشقة فورًا وبعد شد وجذب و«طولة» لسان من الطرفين ذهبا إلى إدارة المنتجع التي طالبته بالهدوء وأن رجل الأمن لم يخطئ في طلبه فزوجته لا يحق لها دخول الشقة وبعد طول تعجب طلبت إدارة المنتجع من الزوج أن ينظر في العقد الذي حرر بيده وناولوه صورة من العقد ومبين أمامها شرطًا لا يعتقد أنه قرأه قبل ذلك، الشرط يقول إن ساكن الشقة لا يقل سنه عن 48 عامًا ولأن زوجته كانت تبلغ من العمر خمسة وأربعين عامًا فقط فلا يحق لها السكن فيها.

ولأن الشرط غريب ولا ندري لما اختار 48 عامًا ولم يقل مثلًا خمسين أو ستين أو حتى ثلاثين، إلا أن الرجل قرر اللجوء إلى القضاء وظل يصرخ للقاضي «دول هما تلت سنين بس.. بقى بعد عشرة العمر دي أسيبها في الشارع علشان تلت سنين وشرط مجنون»، وكادت تفر دمعة من عين القاضي وتحفر طريقها على خده إلا أنه قال له «إمضتك دي ولا لأ»، فرد الرجل بانكسار موافقًا على أنها إمضاؤه، وهنا ضج صوت القاضي في القاعة ونطق الحكم: « بما إن عمر الزوجة يقل بثلاث سنوات عن الحد العمري الذي حدده مجلس ائتلاف المنتجع للساكنين فنحن ندعم مجلس الائتلاف ونطلب من الرجل بيع وحدته السكنية أو تأجيرها أو العيش فيها وحده دون زوجته»..

 محكمة.

هل القانون أعمى، أم نحن العميان؟ لأن هناك شروطًا في ثنايا عقود حياتنا لا ننتبه لها إلا بعد أن تقع الكارثة، فدولتنا الموقرة سارعت بكل قوتها لإقرار قانون القيمة المضافة لتعديل الميزانية المايلة، ومر القانون من تحت أعيننا دون أن ننتبه لشرط أن الدولة ستسعى للسيطرة على الأسواق وستسخر أدواتها الرقابية للحيلولة دون اتهام التجار الجشعين لما تبقى من بقايا المصريين.

العبث هو أن تستغل الحكومة شعبية الرئيس السيسي ورغبة المواطن في الإصلاح بتمرير قوانين ظاهرها الإغراء بتحقيق حلم الاستقرار والنماء، خاصة أن قانون القيمة المضافة تجنب السلع التي تمس حياة البسطاء ولم يقترب منها مغريًا إيانا بتطبيق ذلك برقابة حقيقية للأسواق، إلا أنها ملغمة بـ«كمائن» -كعمر الزوجة- فمراقبة الحكومة لهذه الأسواق فهذا هو عبث العبث، لأن الحكومة سيتمخض تصريحها عن ولادة فأر أذعر، أو ربما ستعتمد بديلًا عن رقابتها ضمير التاجر الذي ستستحثه على الاستيقاظ وتضع بجوار أذنه «منبه» كي يؤنبه لأنه رفع سعر السلعة على أخيه المواطن، ومنتظرة منه أن لا ينام الليل حزنًا على زيادة بضعة جنيهات على ثمن ما يحتاجه المواطن ويبات دمعته على خده.

فرغم وجود ما يزيد على تسعة عشر جهازًا رقابيًا في مصر إلا أن السيطرة على أوضاع السوق بات من المستحيلات الأربعة، وهو أمر كان يجب على الدولة الانتباه له و«تسن سنان» هذه الأجهزة قبل أن تمضينا على عقود شقة مصر الجديدة* أي تمرير قانون القيمة المضافة.
مع الاعتذار لاسم الفيلم..
الجريدة الرسمية