طرائف عيد الأضحى
كتب التراث زاخرة بالعديد من المواقف الطريفة المرتبطة بعيد الأضحى المبارك.
ففي كتابه «يتيمة الدهر» روى أبو منصور الثعالبي، أن عبد النصير بن أحمد أرسل إلى أحد الولاة ثلاثة أبيات من الشعر، يسأله فيها هدية عيد الأضحى، وكان الأخير عَوَّده أن ينفذ إليه كبشًا لأضحيته إلا أنه أبطأ عليه، فكتب:
يا سليل الأكرمين من فضله فرضٌ فما منه بدٌ
أزف العيد وعودتهم الكبش داري والحبل معدُّ
ولقد أبرزت مديّتنا فهي من قبل الصباح تحدّ
فأرسل إليه ثلاثة أكبش، وصلة واسعة.
******
ومن أعجب ما يؤرخ من تقلبات الدنيا بأهلها ما رواه «اليافعي» في كتابه «مرآة الجنان وعبرة اليقظان»، إذ كتب: حكى بعضهم قال: دخلتُ على والدتي يوم عيد الأضحى وعندها امرأة رثة الثياب رثة، فقالت أمي: أتعرف هذه؟ قلتُ: لا. قالت: هذه أم جعفر البرمكي، فأقبلت عليها وتحادثنا زمانًا ثم قلتُ يا أمه، ما أعجب ما رأيت؟ فقالت: لقد أتى عليَّ يا بني عيد مثل هذا وعلى رأسي أربع مائة وصيفة، وإني لأعد ابني عاقًا لي، ولقد أتى عليَّ يا بني هذا العيد وما عندي إلا جلدا شاتين، أفترش أحدهما وألتحف بالآخر، قال: فدفعت لها خمسمائة درهم، وكادت تموت فرحًا بها، سبحان مقلب الدهور ومدبر الأمور.
******
وروى ابن عبد البر القرطبي في «بهجة المجالس» أن رجلًا «مُقلًا»- أي فقيرًا- تولى قضاء الأهواز، فأبطأ عليه رزقه، وحضر عيد الأضحى وليس عنده ما يضحى به ولا ما ينفق، فشكا ذلك إلى زوجته، فقالت له: لا تغتم، فإن عندي ديكًا جليلًا قد سمنته، فإذا كان عيد الأضحى ذبحناه.
فلما كان يوم الأضحى، وأرادوا الديك للذبح، طار على سقوف الجيران، فطلبوه وفشا الخبر في الجيران، وكانوا مياسير- أي ميسوري الحال-، فرقوا للقاضي، ورثوا لقلة ذات يده، فأهدى إليه كلّ واحد منهم كبشًا، فاجتمعت في داره أكبش كثيرة، وهو في المصلى لا يعلم، فلما صار إلى منزله، ورأى ما فيه من الأضاحي، قال لامرأته: من أين هذا؟ قالت: أهدى إلينا فلان وفلان- حتى سمَّت جماعتهم- ما ترى. قال: ويحك احتفظي بديكنا هذا، فما فدى إسحاق بن إبراهيم إلا بكبش واحد، وقد فدى ديكنا بهذا العدد.
*****
أما «الياقوتي» فروى في كتابه «معجم الأدباء» هذه الطرفة: قال أبو الحسين بن هشامٍ: حدثني زنجي الكاتب، حدثني ابن بسامٍ قال: كنت أتقلد البريد بقلمٍ في أيام عبيد الله بن سليمان والعامل بها أبو عيسى أحمد بن محمد ابن خالدٍ، المعروف بأخي أبي صخرةٍ، فأهدى إلى في ليلة عيد الأضحى بقرةً للأضحية، فاستقللتها ورددتها، وكتبت إليه:
كم من يدٍ لي إليك سالفةٍ وأنت بالحق غير معترف
نفسك أهديتها لأذبحها فصنتها عن مواقع التلف
أي أنه رفض أن يضحي بالبقرة.