أنا والخروف وهواك عايشين لبعضينا.. لحمتك يارب.. ماااااااء
أنا في انتظارك خَلِّيت ناري في ضلوعي وحَطِّيت إيدي على خَدِّي وعَدِّيت بالثانية غيابك ولاجيت..أخشى أن أردد ذلك المقطع المُحْبِط من رائعة الست “أنا في انتظارك”، إذا قطع صديقي الحاج مسعد عادته في عيد الأضحى من كل عام، حيث يتحفني باللحم الضاني الشهي من ذبيحة الأضحية التي اعتادها طول العمر، واللهم أمد في عمره مادام يمدني بلحمة العيد.
مبعث خوفي وقلقي أن تكون نيران الأسعار قد طالت جيوبه وقرر أن يقطع العادة ولا يضحي هذا العام، فأكون أنا الضحية وليس الخروف.
العبد لله ياسادة يحتفظ بأجمل ذكريات اللحظات التاريخية نادرة الحدوث، ومنها بل وأهمها، ارتفاع سُحُب الشوربة الضاني التي تخيم على سماء الشقة من فخدة خروف الحاج مسعد التي يصبِّح بها عليَّ بعد أن يصلي لرَبِّه ويَنْحَر.
والحقيقة أن ماعزز مخاوفي من الحرمان من نفحة الحاج مسعد، هو تلميحه المتكرر إلى الحالة والغلا والكَوَا، والعيشة واللي عايشينها، الأمر الذي يعني أنه يمهد لصدمة الحرمان من النفحة، وأخشى أن يستبدل فخدة الحمار بفخدة الخروف هذا العام، وفيما يبدو أنها سنة مايعلم بها إلا الله، وسوف استمر كلما مررت على الجزارين يغالبني البكاء المكتوم، عندما أفكر في ارتفاع أسعار اللحوم، ثم تراودني أغنية ميلودرامية موجِعَة.. وأظل أرددها عندما أصادف محال الجزارة وهى: "عِشْق اللوح مالوش آخر، لكن عِشْق الشَّغَتْ فانى"..وأركب أمواج الحلم وأتطلع إلى امرأة هي التي يصفونها بلهطة القشطة، بدينة لكنها جميلة، كلها على بعضها لوحة شعبية بديعة.. رداؤها الأحمر على جسدها الأبيض راسِم حالة انسجام نادرة.. تمر من أمامي فأقول بصوت أقرب إلى الهمس أموت في الأحمر على السمين.
اعترف أنني مصاب بهَسَس اللحمة، والتفكير فيها يصل بي إلى درجة الهلوسة..يقول صديقي المهندس بوزارة الإسكان والمرافق: إن الوزارة قررت إلغاء إجازات جميع العاملين بقطاعات المرافق، فأضحك ــ وأنا في مود خبلان اللحمة ــ وأقول لابد من إلغاء الإجازات وخصوصا في قطاع الصهاريج، لضمان وصول الشوربة للأدوار العليا.. وأمُرُّ على مدخل حي شبرا الخيمة، وأتطلع إلى لافتة عند المدخل وأقرأ المكتوب عليها هكذا: مرحبا بكم في “شوربا” الخيمة!.
في عيد الأضحى، أحقد على ذلك المتسول الذي تنتفخ أكياسه باللحم من كل نوع بقطعيَّات رفيعة المستوى من الفلِتُّو والموزة والتريبيانكو، وتصيبني الدهشة الهائلة حينما أعلم أنه يبيعها ولا يأكلها، فقلت ربما يبيعها لحاجته إلى النقود؟.. فقال أحدهم ياعبيط هو يبيعها لأنه لا يتعاطى سوي اللحم بكل أنواعه معظم أيام السنة.. وقد صدقت ما قاله الرجل عندما تذكرت أنني توجهت إلى الناصية التي اعتاد أحد المتسولين المحترفين الجلوس عندها، كي أدِسّ في يده ماتيسر من صدقة فلم أجده.. سألت عنه صاحب الكشك الموجود على الناصية، قال لي: زمانه جاي.. سألته أين ذهب؟..قال لي راح يلم إيجار البرج.
اشتَدَّ نَقْحُ الهلوسة فهتفت بأعلى صوتي يحيا التسول، وأنا الخروف والخروف أنا، ثم دَوَّرْت الجري في الشارع وأنا أتقافَز في الهواء وأصيح مااااااااااااااء ماااااااااااء..وكل عام وحضراتكم بخير.