رئيس التحرير
عصام كامل

تحالف التخلف..الهندي والتركي والسبكي !


يمكن تفسير حالات عته كثيرة طرأت على الشخصية المصرية، والبيت المصري، رجالًا ونساءً، بكثرة ساعات التمدد والاستسلام العقلي والعاطفي الكامل أمام مسلسلات التخلف والصراخ الواردة إلينا من نيودلهي ومن أنقرة. هذا أمر سهل ميسور، ويمكن تبين مظاهره، ورؤية علاماته، فأنت إذا رأيت زوجتك بطيئة الاستجابة، ثقيلة الحركة، متأففة الوجه، لا تحسبها تعاطت ترامادول، أو ضاربة حقنة !


هي فقط راقدة على الشاشة الهندية والتركية منذ تسعة أشهر، ومن المؤكد أن مولودكما التالي سيكون هجينًا بين الهندي والتركي: أحدهما يصرخ كالصفارة، رجالًا ونساءً، والآخر ينحنح، ويتصرمح !

طبعًا الأصوات ليست هندية ولا تركية، بل هي سورية أو لبنانية، وطبعًا ليس العيب في الصوت، بل في النص والصورة، يسعى الممثل الصوتي الغائب أن يقترب منهما بكل ما أوتي من قدرة على التقمص والأداء الصوتي لترجمة ما يقال. ومن حسن حظ هؤلاء الممثلين الغائبين أن حناجرهم تعودت على وتيرة واحدة. إما الصراخ أو الزجر أو السهتنة. حاولت ذات مرة أن أجاري أصدقاء كثيرين فأشاهد واستمتع، وحاولت أيضًا وبصراحة أن أجامل زوجتي، التي تشاهد عادة مسلسلًا واحدًا احترامًا لتأففي، ونفخاتي الخماسينية، وجلست واستسلمت تمامًا لفكرة المشاهدة، وقلت :"من المؤكد أن فيها حاجة". وبشرت زوجتى بأني سأشاركها اهتمامها الليلة بالأبطال الهنادوة. رحبت بي على مضض، ثم التزمت الصمت تمامًا وتحولت إلى أذنين كبيرين، أما كيسا اللب السوري الأحدث صنفًا في المقلاة المصرية، فكانا يتعرضان لعملية تجريف آلي متواتر بين شفتيها، بسرعة تقشير وتفريغ عشر لبات في القزقزة الواحدة.

كان البطل في المطبخ، وأخذ ينقل قدمه ليتحرك صوب الصالة، ورحت أتابع حركة الانتقال من المطبخ إلى الصالة، في مشهد طق منه الميت واستيقظ.. فقد امتد لنصف الحلقة، مع تقطيع للصور وكلوزات على وجوه أمه وأبيه وأخته وأخيه وجارته وبنيه، ودخول بالكاميرا على بيوت الحي والشارع، لنرى تأثير السفر الهندي داخل شقة واحدة من المطبخ إلى الصالة، لكي يرضي أمه بقبول الفتاة التي لايحبها وهي لا تحبه بل تحب أخيه !!

انتفضت كأن فأرًا قفز في عبي، وأمسكت برأسي كأني أحميه، وحانت منى نظرة استنهاض ثم غيظ إلى زوجتي، التمس منها تعاطفا مع حالي، فما وجدت الإ نظرات استغراب مشفوعة بالأسى لحالتي، وختمت بأن الطبيب النفساوي الكبير أحمد عكاشة مناسب جدًا لما انتهيت اليه حاليًا! وقالت لي "احمد ربنا.. ستات كتير غيري بتقعد من الساعة خمسة لاتناشر بالليل وساعات واحدة واتنين وتلاتة الصبح، بيتابعوا خمس ست مسلسلات" !

حالة بطء الإدراك تلك هي أهون على أية حال من حالة سرعة الإدراك، لحد الرعدة الكهربية الأقرب للتشنج العصبي الذي أصاب الشارع المصري، بعد البيت المصري. وهنا أيضًا لابد من الاعتراف بأن السبكية، بأفلامهم التافهة، رشوا على الشباب المصري بيروسول البلطجة وقدموا السافل نموذجًا وقدوة في نيل الحقوق أو اغتصاب الحرام. تقدم أفلام للسبكي التمجيد الكافي للصيع والبلطجية، وتضع على ألسنتهم الحكم والمواعظ والعبارات المحكمة، كأنها الأقوال الخالدة، وخير من يعبر عنها فيلسوفهم محمد رمضان.

سرعة الإدراك التي أتحدث عنها هي وراء التصلب العصبي، وانحسار لغة الحوار الهادئ المتسامح، لتحل محلها لغة السنجة والسيف والقبضة العاتية والتوك توك.

البيت خملان والشارع هائج مائج. البيت يحتاج فنًا جميلًا راقيًا، يجمع الأسرة على القيم والتماسك والتساند، والشارع البلطجي محتاج وزير داخلية يؤمن بأن البلطجي هو إرهابي طليق علينا.

السؤال ما الذي جمع الهندي على التركي على السبكي في جيش واحد وتوقيت واحد ضد الذوق المصري ؟!


الجريدة الرسمية