رئيس التحرير
عصام كامل

«فخ بوتين»..أحمد الطيب سقط في مخطط روسيا لإشعال الفتنة وإثارة أزمة سياسية مع السعودية وفتح عليه نيران الإخوان والسلفيين.. وعبدالفتاح عساكر: مؤتمر جروزني «خطيئة» ونحتاج لمؤتمرات توح

شيخ الأزهر الشريف
شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب

بيده لا بيد عمرو أو غيره، وضع شيخ الأزهر الشريف الدكتور أحمد الطيب نفسه في موقف لا يُحسد عليه، عندما هاجمه السلفيون برعاية شيخهم الدكتور ياسر برهامى، والإخوان برعاية الداعية المتطرف الدكتور يوسف القرضاوى، لمشاركته مؤخرًا في فعاليات مؤتمر “من هم أهل السنة والجماعة؟” بالعاصمة الشيشانية “جروزني”.


وبعيدا عن البذاءات التي وجهها “القرضاوى” الذي يتألق في مثل هذه المناسبات، والمتلون “ياسر برهامى”، للإمام الأكبر، لا سيما أن غضبهما نجم، في المقام الأول، عن عدم دعوتهما للمؤتمر بزعم أنهما “الإخوان والسلفيين” هم أصل الإسلام، وأهل السنة والجماعة”، فإن “الطيب” ربما تورط عن حُسن نية في حضور مؤتمر تبدو أهدافه للقاصى والدانى “سياسية بامتياز ولا علاقة لها بالإسلام، أو بأهل السنة والجماعة”، ولكنها تخدم الدب الروسى، والذي يملك مشاعر عدائية ضد المملكة العربية السعودية بسبب دورها السياسي بالمنطقة فضلًا عما عكسه المؤتمر من التوظيف السيئ لرجال الدين الرسميين في أمور سياسية.

قائمة الأخطاء التي تورط فيها “الطيب” تشمل محاور عدة، ففضلا عن أنه غاب عن فضيلته الأهداف السياسية الكامنة وراء هذا المؤتمر الذي لن يضيف للإسلام ولفضيلته “شيئا مذكورا”، وأنه لا يهدف إلا لضرب مصالح دولة مثل المملكة العربية السعودية في منطقة الشرق الأوسط، لمصلحة روسيا، صاحبة الولاية على الشيشان ورئيسها الذي يوصف بأنه رجل الرئيس الروسى فلادمير بوتين، كما أنه ينبغى على الأزهر الشريف، أن يكون متبوعا وليس تابعا، وإن كانت هناك حاجة لعقد مؤتمر إسلامى دولى لخدمة الإسلام والمسلمين، فإنه يجب أن يكون الأزهر الشريف هو القبلة والمقصد وصاحب الدعوة، استنادا إلى التاريخ الكبير الذي يمثله ويمتد إلى أكثر من 10 قرون، كما تجاهل الإمام الأكبر أن مثل هذه النوعية من المؤتمرات تُفرق ولا تُجمع، رغم أن المسئولية المنوطة بالأزهر الشريف وإمامه “الأغرّ الأعظم”، هي تجميع كلمة المسلمين، وتقوية لوائهم، وتوحيد صفوفهم، وتعظيم شأنهم، وليس ضخ مزيد من أسباب الفرقة والتشرذم، الإسلام يحتاج في السنوات الأخيرة، إلى من يزيل عن صفحته ركام الخلافات، وغبار الاختلافات، ونيران التمزق التي تلتهم أراضيه وتعتمل في نفوس أبنائه.

وبدا أن التسرع الذي شاب تصرف فضيلة الإمام الأكبر، واندفاعه لحضور مؤتمر تستضيفه دولة لا تمثل رقما مهما في قائمة الدول الإسلامية، دفع إخوانيا متطرفا مثل: “القرضاوى” إلى أن يقول في بيانه: “الأمة الإسلامية لم يعد لديها من رفاهية الوقت لإحياء الخلافات التاريخية القديمة بين مكونات أهل السنة والجماعة، بينما تئن مقدساتها وتستباح حرماتها، وتسيل دماؤها في فلسطين وسوريا واليمن وغيرها”، وهو قول حق، حتى وإن صدر عمن يضرم نيران التطرف في صفوف المسلمين”، كما لم يفوت “برهامي”، صاحب الفتاوى المثيرة للجدل، الفرصة دون أن يدخل على خط الأزمة، وينسب للسلفيين، أكثر المسلمين تجاوزا بحق الإسلام، الحق الأصيل في الانتماء لأهل السنة والجماعة، ولأن شر البلية ما يضحك، فإن “برهامى” تعامى عن السجل الأسود للسلفيين بحق الدين الخاتم فقال في بيانه: “نحن نرى أن روح التعايش مع الاختلاف وتجنب الحِدّة في الحكم على المخالف -ما أمكن ذلك شرعًا- هو المنهج السلفي الصحيح، وهو الذي طبقه شيخ الإسلام ابن تيمية فكرًا وتطبيقًا، وهو القائد الروحي والمعلِّم المقدَّم عند كل الحركات السلفية المعاصرة، ورسالته في الرحمة بأهل البدع قد درسها تلامذته، وامتناعه عن التكفير إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، وكذلك عنده التفسيق والتبديع” وكأنه ينطبق عليه قول القرآن الكريم «يقولون بألسنتهم ماليس في قلوبهم».
وبعيدا عن هذا التلاسن المُهين بحق الإمام الأكبر صاحب المقام الرفيع رغما عن الإخوان والسلفيين، فإن مصطلح “أهل السنة والجماعة” من المصطلحات المثيرة للجدل، والتي تكشف منذ وقت مبكر، عن أن المسلمين تعاطوا منذ عقود طويلة، مع مبدأ الخلاف والاختلاف والتشرذم، وتوهمت كل فرقة أنها الفرقة الناجية، وأنها صاحبة الحقوق الحصرية في الحديث باسم الإسلام، والاستئثار بالجنة والنعيم المقيم، دون غيرهم.

الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف الدكتور أحمد محمود كريمة، قال: إن مصطلح “أهل السنة والجماعة”، ظهر في العصر العباسى، حيث كانت هناك مدرستان، هما: الحنابلة، وكانوا يتمسكون بحرفية النص، وخاضوا في صفات الله تعالى، وانتهت الحرفية بهم إلى الاعتقاد في تجسيم الله، كما هو الحال عند السلفية الحديثة، فظهر الإمام أبو الحسن الأشعرى وأبو منصور الماتريدى، ونهجا منهجا وسطا، بين حرفية النص عند الحنابلة، والعقل عند المعتزلة، فكان هذا المذهب وسطا وتلقته الأمة بالقبول.
“كريمة” تابع: “الأزهر الشريف ارتضى من 1100 سنة هذا المذهب الأشعرى المعبر عن صحيح الإسلام”، مضيفا: ردة فعل السلفيين على عدم دعوتهم لمؤتمر الشيشان، أبرز وجههم القبيح، وكشفت عن انتهازيتهم السافرة، وعكست انزعاجهم من أن المسلمين أدركوا أنهم ليسوا من أهل السنة والجماعة، وإنما هم عبء ثقيل جدا على صدر الإسلام.

وأردف “كريمة” قائلا: “السلفيون انزعجوا لأن الشباب الذي استقى العنف من السلفية في آسيا استيقظ على الحقيقة، وأدرك أن أهل السنة هم الأشاعرة، وليس السلفيين”.متابعًا: «ماينطبق على السلفيين ينطبق على الإخوان» .
من جانبه.. قال شيخ الطريقة العزمية علاء أبو العزائم: إن مصطلح “أهل السنة والجماعة” ظهر في فترة صراع الإمام على ومعاوية، حيث أطلق على “أنصار على بن طالب “شيعة علي” فاخترع “معاوية” مصطلح “أهل السنة والجماعة”، واستمر الأمر حتى كان النزاع بين الحنابلة والمعتزلة ومن ثم فإن تجاهل مؤتمر الشيشان للسلفيين والإخوان وجماعات التطرف أمر منطقى ومفهوم.

وتساءل أبو العزائم: “السلفيون هم أساس الفرقة والخلاف في الأمة الإسلامية، وحال الإخوان لا يخفى على أحد، فكيف ينسبان نفسيهما إلى أهل السنة والجماعة”؟
في المقابل يجزم المفكر الإسلامى الكبير الدكتور عبد الفتاح عساكر بأن مؤتمر “من هم أهل السنة والجماعة؟”، الذي عقد بالشيشان، هو خطوة جديدة لتفرقة صفوف الأمة وانقسامها وهو ما حذر منه المولى عز وجل في القرآن الكريم: “إن الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا، لست منهم في شيء”.

وشدد عساكر على أنه لا ينبغى النبش في مثل هذه القضايا التراثية التي ماتت وعفى عليها الزمن، وتكشف أن عقول بعض المسلمين تحجرت عند عقود طويلة مضت، ولم تعد ذات بال، لاسيما أنها عندما أثيرت كان الهدف منها سياسيا بحتا، والآن يتم استنهاضها لتحقيق أجندة غربية تهدف إلى “سكب البنزين على النار”، ومضاعفة تشرذم المسلمين الذين ينطبق عليهم قول القرآن الكريم: “تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى”.

"نقلا عن العدد الورقي.."
الجريدة الرسمية