رئيس التحرير
عصام كامل

بين التصوف والتطرف


كثيرة هي سهام النقد، النابع من التعالي والحقد، التي وجهت إلى التصوف، وشيوخه..وبعيدا عن السجال الذي دار طويلا، وسجلته العديد من المحافل والكتب، وبغض النظر عما انتهت إليه المساجلات بين عمائم التطرف والتشدد والمغالاة، وبين شيوخ التصوف، فهل لي أن أسال؛ ماذا جنى المسلمون والإسلام من وراء التطرف، واحترام المظاهر، على حساب الجوهر، وتحويل العبادات إلى عادات، باستثناء شق الصفوف، والتفرقة والتشرذم، والإرهاب والعنف والدماء التي أريقت، وتراق، في كافة أنحاء العالم.. وظهور الجماعات التي تشوه الدين الحنيف السمح، من أول "الخوارج"، وحتى "القاعدة" و"داعش"، مرورا بـ "الإخوان"، وغيرهم، ماذا استفاد الإسلام والمسلمون؟!


والوجه الآخر للسؤال؛ عن النتائج التي أحرزها التصوف في نشر الإسلام في العديد من مناطق أفريقيا وآسيا، وحتى قارتي أمريكا.. وفي محاربة الاستعمار.. فمن ينسى جهود الأمير الشيخ عبدالقادر الجزائري، والسنوسية، وغيرهم، ناهيك عن أثره الطيب في التربية، وتهذيب النفوس، وترقيق القلوب، ونشر الزهد فيما لدى الغير، والورع عن اقتراف المحرمات، والبعد عن الفساد، وما يقرب إليه من قول أو عمل؟!

وفي ذكرى الاحتفالات بمولد الإمام على أبي الحسن الشاذلي، رضي الله عنه، والتي تواكب وقوف الحجيج على عرفات..وكأنها امتداد نوراني، بين أفئدة القادمين من شتى أصقاع الأرض، واجتمعوا بالقرب من الجد الأعظم، صلوات الله عليه وآله وسلم، وبين من قدموا من مختلف أنحاء الكنانة، زائرين الحفيد الطاهر..في هذه الذكرى العطرة نقتبس نفحات مما كتب عن شيخ المتصوفة.

هو تقى الدين أبو الحسن على بن عبد الله، الذي ينتهى نسبه إلى الإمام الحسن، ولد سنة 593 هـ بقرية "شاذلة"، قرب تونس، وتوفي سنة 656 هـ، أي عاش 63 عاما، منشأه المغرب الأقصى ثم قدم الإسكندرية حيث ظهرت طريقته "الشاذلية"، وتتلمذ على يد شيخه الشيخ عبد السلام بن بشيش.

وفي طريقه لأداء فريضة الحج، طلب من تلاميذه أن يأتوا بكفن، وأدوات الدفن.. وتوفي في الطريق، ودفن بصحراء عيذاب بحميثرا، وهي ضاحية تتبع مدينة "مرسي علم".

كان شيخ الصوفية بالشرق، وطريقته مرجع جميع الحركات الصوفية في العالم الإسلامي. وتوجد عشرات المصنفات في مناقبه لعلماء مصريين ودواوين شعر في مدحه. وقد أخذ أبو الحسن الشاذلي عن العالمين المغربيين محمد بن حرزهم وعبد السلام بن مشيش وله أحزاب كثيرة.

قال عنه الشيخ مكين الدين الأسمر: "الناس يدعون إلى باب الله تعالى، وأبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه، يدخلهم على الله".
وقال شيخ الإسلام العز بن عبد السلام، واصفا الشاذلي: "لقد كان ذا نضج في العلم، ونضج في التفكير، وروحانية في الحديث، وشفافية في البصيرة". وقال الشيخ أبو العزائم ماضي: "كان يأخذ زينته عند كل مسجد.. ويتحلى دائما بالثياب الحسنة".

وقال الشاذلي رضي الله عنه: "لا تسرف بترك الدنيا فتغشاك ظلمتها، أو تنحل أعضاؤك لها، فترجع لمعانقتها، بعد الخروج منها بالهمة والفكرة أو الإرادة أو بالحركة... فاعرف الله وكن كيف شئت".

وقال أيضا: "من لم يزد بعلمه وعمله افتقارا إلى ربه وتواضعا لخلقه، فهو هالك".. "إذا أردت الوصول إلى الله تعالى، فاستعن بالله واجلس على بساط الصدق، ومشاهدا ذاكرا له بالحق، واربط قلبك بالعبودية المحضة على سبيل المعرفة، ولازم الشكر والمراقبة والتوجه والاستغفار".
ومن تلاميذه؛ أبو العباس المرسي، وابن عطاء الله السكندري، وأبو العزائم ماضي.
الجريدة الرسمية