رئيس التحرير
عصام كامل

الفساد والتلاعب بقوت الشعب


خبر بالغ الغرابة نشرته الصحف، وهو أن أحد المتهمين بالفساد في قضية "صوامع القمح" قبض عليه، وقدم للنيابة العامة التي حققت في القضية، ثم صدر قرار بإخلاء سبيله بعد دفع خمسين ألف جنيه كفالة، وأهم من ذلك بعد أن رد للدولة مبلغ 77 مليون جنيه حصل عليها بدون وجه حق!


الواقع أننى ذهلت من هذا الخبر. لأن معناه ببساطة أن الفساد تحول من مجرد جريمة يقوم بها شخص وسواء كان موظفًا عامًا أو أحد المتعاملين مع الدولة إلى جريمة متكاملة الأركان – حتى لو لم ينص عليها قانون العقوبات بهذا الوصف – إلى التلاعب المتعمد بقوت فئات الشعب الفقيرة التي تكافح لكى تبقى على قيد الحياة في هذا الزمن الصعب الذي نعيشه في ظل الارتفاع الجنونى للأسعار.


بعد أن قرأت هذا الخبر العجيب تساءلت.. كيف وافقت الإدارة الحكومية- سواء كانت في وزارة التموين أو غيرها- على دفع هذا المبلغ المهول (77 مليون جنيه)، لهذا الفاسد المجرم بهذه السهولة، وبغير التثبت بأنه أوفى بتعهداته التي وافق عليها مسبقًا مع الإدارة الحكومية المسئولة؟


وهل من السهولة بمكان – في ظل العجز الدائم للموازنة– وارتفاع الدين الداخلى والخارجى إلى معدلات غير مسبوقة أن تدفع الحكومة –هكذا بكل سلاسة ويسر– عشرات الملايين لمجموعة من الفاسدين والبلطجية الذين يتاجرون بقوت الشعب؟


والسؤال الأهم هل حقيقة أن دفع الإدارة الحكومية – أيا كانت– لمبلغ 77 مليون جنيه من السهولة بمكان هكذا؟ وهل ما رده هذا الفاسد المجرم عدًا ونقدًا للحكومة -الذي يتمثل في عشرات الملايين- مسألة يسيرة بالنسبة له ولا تخرج عن تحرير شيك قابل الصرف لحساب الحكومة؟


ما هذا الزمن العجيب الذي نعيش فيه؟ أليس غريبًا أن يعاقب موظف بسيط في تهمة تقاضى رشوة لتسهيل الأعمال بما قد لا تزيد عن مائة جنيه، ويتساوى مع هذا الفاسد الذي ينبغى في الواقع الحكم عليه بأقصى عقوبة يحددها قانون العقوبات.


وفى تقديرنا أن نصوص قانون العقوبات التي تسمح ببراءة المبلغ عن الفساد، ينبغى إلغاؤها حتى يتساوى المبلغ مع المجرم الحقيقى!
الجريدة الرسمية