المحافظ الذي نريده !
أسوأ من يتولي موقعا سياسيا هو من يقولها في وجه الجميع بلا خجل من أنه "لم يمارس السياسة طوال حياته"! ونتعجب ممن لم يهتم بأمر بلده طوال حياته كيف يتولي موقعا فيها ليساهم-كما يرددون دائما-في نهضتها ؟!
النوع السابق لا نريده.. بل نريد من اقترب من الناس.. يعرف اتجاهات "الشارع" ويعرف الفروق بين التيارات السياسية بل ويعرف التيارات السياسية.. قرأ في الرأسمالية وطالع الاشتراكية.. قرأ عن الماركسية ويعرف جيدا الإسلام السياسي.
نريد المحافظ المثقف الذي يمتلك الحجة والمنطق عند استدعاء الحجة والمنطق.. نريد من يتولي موقعه ليهزم المعوقات ودواعي الفشل وليصنع منها دواعي النجاح دون أن يتحجج بها ويبرر بوجودها فشلا بعد فشل..نريد المحافظ الذي يقبل بالمنصب ليترك أثرا ويضع حجرا فوق حجر في بناء كبير.. نريد المحافظ الذي تسعده -صدقا-سعادة الناس والبسطاء الفقراء منهم بخاصة.. نريد المحافظ الذي يعرف مشكلات بلاده وترتيبها وترتيب خطورتها.. نريد المحافظ الذي ذهب لمهمته كمقاتل في سبيل الله والوطن لا ينتظر إلا أن يقدم روحه لبلده وترخص لها !
نريد المحافظ المتجاوز للأفكار التقليدية.. المفكر..المبتكر..المنشغل دوما برعاياه..نريد من يتعامل في موقعه بجدية..مؤمنا بالفعل أنه رئيس للجمهورية في إقليمه ويمارس مهامه بكل هيبة وقوة.. فلا تسيطر عليه مافيا ولا يخشي-مثلا- نفوذ مدير الأمن ولا يهتم بتقارير تكتبها أي جهة.. نريده لا يخشى إلا الله ثم الناس.. فإن أرضاهم رضي.. وإن قصر معهم وبخسهم حقوقهم وأضاع مستحقاتهم أدرك دون جهد أنه لا يستحق البقاء في موقعه !
نريد المحافظ الذي لا يعرف الراحة في بيته ولا في مكتبه بل ينتقل بنفسه لنراه حيث ينبغي أن يكون..نريد القوى مع الأقوياء.. اللين مع الضعفاء.. صاحب الهيبة المتواضع.. الصبور البشوش المصغي لصرخات الناس وأوجاعهم !
نريده وقد رشحته مواهبه الشخصية وكفاءته الخاصة ودراساته أو خبراته إن وجدت.. دون أن ترشحه صلات القرابة أو المصالح المشتركة أو المجاملات غير البريئة وغير الموضوعية والتي يدفع الوطن والناس دائما ثمنها ويدفعونه باهظا!
نريده الذكي الذي لا تفصله عن شعبه بطانة ولا تعزله عن رعيته "شلة" ولا تجره إلى مهالك الفساد عصابة.. نريده بالضمير الحي والقلب الرحيم والعقل الذي لا يتوقف عن العصف الذهني في تفاصيل تفاصيل مهمته..ومن أجلها !
سيقولون: بل نريده شريف السيرة حسن السمعة طاهر اليد عف اللسان..ونقول: هي أبجديات العمل العام لا ينبغي التطلع إليها بل هي من لوازم الإنسان السوي فما بالنا بمن يتولى أمرنا !!