رئيس التحرير
عصام كامل

حزب البديل «مأوى» الغاضبين على الأحزاب الأخرى في ألمانيا

فيتو

ما الذي حدث في ولاية مكلنبورج- فوربومرن؟ وما الذي يحدث في عموم ألمانيا، بعد تصويت العديد من المواطنين على حزب البديل اليميني الشعبوي؟ ثم ما هي احتمالات المستقبل السياسي للمستشارة ميركل من كل هذا؟

الأوضاع في ولاية مكلنبورج-فوربومرن تسير بشكل إيجابي منذ عدة سنوات: البطالة تنخفض، والهجرة توقفت، وأصبحت الولاية الجميلة نقطة جذب للسياح، وحتى نسبة اللاجئين منخفضة جدًا في هذه الولاية، ومع ذلك انتخب خُمس عدد الناخبين حزب "البديل لألمانيا" (أ.ف.د) الشعبوي، ولو أضفنا لذلك الأصوات التي حصل عليها الحزب القومي الألماني اليميني المتطرف (حزب النازيين الجدد)، فإن ربع عدد الناخبين تقريبًا انتخبوا اليمين المتطرف.

القول إن سياسة اللجوء التي تبناها الائتلاف الحاكم بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل كانت السبب الحاسم في ذلك، هو أمر لا شك فيه، ميركل نفسها كانت قد صرحت في مطلع العام، بأن تناقص أعداد اللاجئين سيقلص من شعبية "حزب البديل" مرة أخرى.

ولكن العكس هو ما حدث: شعبية حزب البديل اليميني ارتفعت، على الرغم من التناقص الكبير في أعداد الوافدين من اللاجئين على ألمانيا، مقارنة ببداية العام.

المحلل السياسي كارل رودولف كورته قال لقناة ZDF الألمانية: "يبدو أن الاحتجاج على فتح الحدود ما زال قائمًا، بغض النظر عما إذا كان عدد اللاجئين القادمين كبيرا أم لا".

الشخصية تلعب دورا
أستاذ العلوم السياسية في دريسدن البروفيسور فيرنر باتسيلت ليس متفاجئا ويقول لـDW: "سياسة اللاجئين ليست السبب وإنما كانت الشرارة فقط التي أدت إلى الصعود القوى للشعبوية اليمينية في ألمانيا.

ويرى أن الظاهرة أوسع من ذلك. حزب "البديل من أجل ألمانيا" بات الآن أشبه بحوض تجميع لكل أولئك الذين لديهم شعور بأنهم محكومون من "اتحاد نخبوي مؤلف من الديمقراطيين المسيحيين، والاشتراكيين الديمقراطيين والخضر"، حيث "لا يمكن القيام بأي شي إزائهم".

ومن بين المؤيدين لسياسة ميركل إزاء اللاجئين، وحتى إلى وقت قريب، هناك الحزب الديمقراطي الاشتراكي، الذي يشكل الائتلاف الحاكم مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، سواء في الحكومة الاتحادية أو في حكومة مكلنبورغج-فوربومرن.

بل إن الحزب الاشتراكي الديمقراطي عمل على المستوى الاتحادي على منع أي قوانين متشددة بخصوص اللاجئين أو على تخفيفها على الأقل. ومع ذلك، بقي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحزب الأقوى في مكلنبورج-فوربومرن. ويرى مراقبون بأن السبب يكمن خصوصا في شخصية رئيس الوزراء في الولاية إرفين زيليرينغ.

الأمر نفسه حدث في انتخابات ولاية راينلاند بفالتس في مارس الماضي، حيث حافظت رئيسة الوزراء مالو دراير، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، على منصبها. وكذلك في ولاية بادن فورتمبيرج، حيث تمكن حزب الخضر للمرة الأولى من انتزاع المركز الأول وتولي منصب رئاسة الوزراء في إحدى الولايات الألمانية، من خلال فينفريد كريتشمان.

ولذا نجح مرشح يحظى بالشعبية في شفيرين (عاصمة ولاية مكلنبورج-فوربومرن) في تحقيق الفوز الانتخابي لحزبه. وعلى عكس كريتشمان ودراير نأى زيليرينج بنفسه بوضوح عن سياسة الهجرة التي تتبعها ميركل.

مواصلة العناد أم تصحيح المسار؟
ولكن كيف يمكن للأحزاب الكبرى التعامل مع هذه النتيجة الآن؟ ميركل اعترفت خلال مشاركتها في قمة العشرين في الصين بأنها "بالطبع مسئولة"، وأن النتيجة مرتبطة بسياسة اللجوء، ولكنها لا تريد تغيير هذه السياسة لأنها تراها سياسة صحيحة.

وقد قدمت صحيفتان يوميتان في افتتاحياتهما يوم الاثنين طريقين متناقضين في بحثهما عن حل، فصحيفة "زاربوكر تسايتونج" نصحت الحكومة بألا تتعرض للتضليل: "لا يجب تفهم مثل هذه النتيجة في الانتخابات، بل يجب القول بوضوح لمن انتخبوا اليمين إنه ليس هناك سبب لهذا التصويت الاحتجاجي من هذا النوع المخجل".

وعلى النقيض من ذلك، طالبت صحيفة "نورد فيست" بتغيير المسار وقالت: "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يرفض الاعتراف بأن صعود حزب البديل هو نتيجة لبؤس تسببوا فيه.

وفي ظل قيادة ميركل كان هناك انحراف غير مسبوق باتجاه اليسار"، ثم تضيف الصحيفة: "حزب البديل سيستمر في توجهه إلى أن يصحح الاتحاد المسيحي مساره".

لكن الخبير السياسي فيرنر باتسيلت يرى أنه حتى لو كان حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي مستعدا للتغيير فلن يجدي ذلك نفعا، "المستشارة وحزبها وقعا في فخ"، حيث إن "الابتعاد المتخفي عن ثقافة الترحيب لن يفيد الحكومة". وسيكون "أمرا غير قابل للمصداقية لو أعلنوا الآن أنهم يريدون تغيير المسار"، كما أن الأمر لن يفيد الحزب الديمقراطي الاشتراكي، "لأن الشعب يربط سياسة الهجرة بالحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر".

معضلة الترشح لرئاسة الحكومة
سؤال آخر يطرح نفسه الآن: وهو ما إذا كانت أنجيلا ميركل ستترشح لمنصب المستشارية في انتخابات العام القادم. الخبير في شئون الأحزاب كارل رودولف كورتي يتحدث عن "اختبار ترشيح"، دون أن يقول ما إذا كانت ميركل قد خسرته أم لا. فهي تركت الباب مفتوحا بخصوص مسألة ترشحها لولاية جديدة.

نائب زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي رالف شتيجغنر يرى في نتيجة الانتخابات الأخيرة أنها "هزيمة شخصية قاسية للمستشارة"، وعلى النقيض من ذلك، ينصح مسئول السياسة الداخلية في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فولفجانج بوسباخ - في صحيفة "دي فيلت- بعدم التكهن حول منصب المستشارية: "في مثل هذا الوضع من الصعب البدء بنقاش حول الأشخاص داخل الحزب، فهذا من شأنه أن يخلق مشكلات أكثر من الحلول".

ويعتقد فيرنر باتسيلت بأن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي ليس أمامه من خيار آخر، سوى الدفع بميركل كمرشحة له مرة أخرى بسبب "شعبيتها التي لا تزال أعلى بوضوح من شعبية حزبها، وبالتالي فليس هناك بديل حقيقي داخل الحزب".

الاختبار القادم سيكون بعد أسبوعين في برلين، وبالنظر إلى الانتخابات المرتقبة هناك تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال وقوع كارثة أخرى لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وتسجيل فوز جديد لحزب "البديل".

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


الجريدة الرسمية