رئيس التحرير
عصام كامل

رئيس هيئة الكتاب: الحركة الثقافية المصرية في «جزر منعزلة» منذ 30 عاما

فيتو

• الثقافة المصرية تعيش «مرحلة انتقالية» 

• %40 من دور معرض الكتاب «تنفذ بجلدها» من أزمات النشر

• أطالب برفع الجمارك عن الكتب وسماح تبادلها عبر الحدود

• قانون حقوق ملكية 2002 يحتاج لتعديل

• لدينا ملاحظات على مشروع دمج النشر بوزارة الثقافة

• مكتبة الأسرة تحتاج «20 مليون جنيه» سنويا لتقوم بدورها

• لا بد من الآن التفكير في مشروع نشر إلكتروني بجانب الورقي

 ليست مجرد قطاع عابر ضمن قطاعات وزارة الثقافة المصرية، وإنما هي شريان حيوي لها، تعلو وتيرة ظهورها في معرض القاهرة الدولي للكتاب التي تشرف على رئاسته، فتكون أضواء العالم على أبوابها.. هي الهيئة المصرية العامة للكتاب، التي تعد أكبر مطبعة تمتلكها وزارة الثقافة، إضافة إلى إشرافها على جميع معارض الكتاب المقامة على أرض مصر، مما يهبها من الأهمية ما ترجوه منها.

ورغم أهمية الهيئة فإنها مرت في الآونة الأخيرة بكثير من المشكلات التي انتشرت على منصات الإعلام المرئي والمقروء، تمثل أولها في مشروع إعادة هيكلة النشر والإصدارات التي تشرف على طرحها، فأطاحت بعدد منها، لتقوم قيامة الهيئة، ويعتبر البعض خطوتها بـ"المذبحة شبه الجماعية" لمجموعة مهمة من الإصدارات.

لم يكن هناك أجدر من الدكتور هيثم الحاج علي، رئيس الهيئة، ليكون هو طرف الحوار، والمجيب لجميع تلك التساؤلات التي تدور في ذهن الوسط الثقافي.. وخلال حواره مع «فيتو» دار الحوار على النحو التالي: 

* البعض يرى أن المثقفين لا يقومون بدورهم الفاعل والمطلوب، فكيف يعود المثقف لأداء هذا الدور؟
•• إذا افترضنا أن قضيتنا في الوقت الحالي هي الحفاظ على مقومات الهوية المصرية، فعلى المثقفين أن يتحركوا لتعديل اتجاهاتهم بشكل واضح في طريق الدفع لهذه القضية، سواء على مستوى الفعاليات الثقافية أو أنماط الكتابة المتعارف عليها لخلق نوع من الحراك الثقافي على مستوى القوى الناعمة بشكل عام، كما على المؤسسات الثقافية فتح آفاق أعمق لجذب الجماعة المثقفة للعمل داخل حيز القضية القومية.

*هل تتسبب التعددية الثقافية في المجتمع المصري في هذا النفور والانعزال بين الجماعة الثقافية وبعضها؟
•• الحركة الثقافية في مصر تعمل في جزر معزولة منذ 30 عامًا، ويمثل ذلك مشكلة كبيرة أثرت بالسلب في توحد القوى الثقافية حول مشروع واحد للنهوض بالثقافة المصرية، وما نحن فيه الآن نستطيع أن نطلق عليه "مرحلة انتقالية" وفرصة جديدة لأن تبدأ هذه الجزر المعزولة أن تضيف مجهوداتها بجانب الأخرى كي نصنع مستقبلًا حقيقيًا للوطن تلعب فيه الثقافة والمثقفون دورًا رئيسيًا فيه.

* برأيك، من لديه القدرة على لم شمل المثقفين مرة أخرى وتوحيدهم خلف مشروع واحد؟
•• لا نستطيع أن نمثل شخصًا واحدًا أو مؤسسة واحدة منوطة بخلق مشروع للالتفاف حوله، إذا كنا نتحدث عن مشروع قومي فعلى الجميع العمل لإنجاز مثل هذا المشروع، كل بما لديه من دور يستطيع أن يحدده هو بذاته، إن كانت مؤسسات أو أشخاصًا على حدة.

* ما المشروع القادر على لم شمل المثقفين؟
•• من الممكن أن يكون هناك مؤتمر يجمع المثقفين للتباحث حول القضايا ذات الأهمية الكبرى في الفترة المقبلة، من المفترض أن يحدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطة عامة موجودة في المجتمع، ويطلب من المثقفين العمل في إطار هذه الخطة، وفي حالة عدم قدرة المثقفين على العمل في هذا الإطار فيطبلون تذليل المعوقات.

كما أظن أن على المثقفين الاضطلاع بخطوة التنمية المستدامة والتي تمثل فيها الثقافة جانبًا مهمًا، وتعد هذه المرة الأولى التي تدخل فيها الثقافة ضمن خطط التنمية، لذا فعلى المثقفين أن يحملوا لواء المبادرة، وإن واجهتهم أي عوائق فيتوجهون بها الرئيس لمحاولة تذليلها.

* ننتقل إلى نقطة أخرى تتعلق بارتفاع سعر الدولار، هل ترى أن هذا الارتفاع سيؤثر في حجم المشاركة بمعرض القاهرة للكتاب المقبل؟ 
•• بدون شك، ارتفاع سعر الدولار كان له مردود سلبي على صناعة النشر في مصر، لكنه لن يؤثر بشكل كبير في المشاركات في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته المقبلة، وذلك لمشاركة نحو 40% من العارضين الأجانب الذين لا يتعرضون لأي أزمات تخص النشر.

* هل تأثرت الهيئة بهذا الارتفاع؟
•• نعم، ارتفاع أسعار الدولار في الأسواق المحلية كان له مردود مباشر على المواد الأصلية للطباعة كالورق، واضطررنا ذلك لتخفيض عدد النسخ من مطبوعاتها، نظرًا لما لديها من عجز في ورق الطباعة.

* هل لديكم أي مقترحات للتخفيف عن كاهل الناشر الخاص في ظل ما تعانيه دور النشر من ارتفاع في أسعار المواد الخام للطباعة؟
•• بالفعل، لدينا اقتراحات بهذا الشأن، فقد تحدثت الهيئة في تشريعين مهمين مع عدد من أعضاء مجلس النواب، من المنتظر أن يحركوا ساكنًا في هذه الأزمة، الأول لرفع الجمارك عن العناصر المكونة للصناعة أو تقليل هذه الجمارك بما يسمح بإحياء صناعة النشر مرة أخرى، والتشريع الآخر يبحث في تداول وتبادل الكتب عبر الحدود. 

* معاناة دور النشر أيضًا تتعلق بعمليات تزييف كتب دور النشر، برأيك كيف يمكن التصدي لهذه العملية؟
•• قانون 2002 يحتاج لتحديث يناسب ما أضحت عليه عمليات التزوير الآن، حتى يناسب تطورات العصر من دخول عوامل جديدة تساعد في عمليات التزييف مثل الإنترنت وغيره، فضلًا عن تغليظ العقوبات في هذا القانون، ومن ثم تفعيله بكل ما جاء فيه، فالعقوبات الحالية لم تعد تناسب حجم عمليات التزييف الضخمة التي تشهدها صناعة النشر في مصر.

* ونحن على مشارف معرض الكتاب، هل ستتخذ الهيئة أي إجراءات احترازية للحد من بيع الكتب المزيفة بالمعرض؟
•• في الهيئة نسعى لتغليظ العقوبات في اللائحة الجديدة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الجديدة على حالات تزييف واستنساخ إصدارات دور النشر المصرية والأجنبية، والمقرر إقامته في يناير 2017.

* ما التصور الخاص بالهيئة تجاه مشروع دمج النشر في قطاعات وزارة الثقافة للدكتور عماد أبو غازي؟
•• نحن من البداية مرحبون بفكرة دمج النشر بقطاعات وزارة الثقافة، لكن لدينا بعض الملاحظات على المشروع تتعلق بشكل مباشر برفضنا لفكرة تحويل الهيئة لمطبعة لجميع قطاعات وزارة الثقافة، بينما تتحول هذه القطاعات إلى جهات ناشرة، وفي هذه الحالة تنتفي أهم صفة لهيئة الكتاب كونها دار النشر الرسمية للوزارة.

وستمشل دراسة الهيئة الخاصة بالمشروع وضع أطر وقواعد واضحة تتسم بالشفافية في تقديم أشكال الدعم لدور النشر الخاصة، وذلك بهدف تقنين هذا الوضع وإيصال الدعم لمستحقيه.

* من المفترض أن هذا المشروع يرمي لتقديم وزارة الثقافة دعمًا ماديًا لدور النشر الخاصة، كيف يحدث ذلك من وجهة نظرك؟
•• كان هناك تجربة سابقة تتعلق بدعم دور النشر الخاصة، وشابها العديد من السلبيات ترتبط بعملية توزيع هذا الدعم على الدور، ومدى الشفافية في تلقيه، لكن إن كنا نتحدث عن حل يمكن من خلاله دعم دور النشر الخاصة فعلينا بمكتبة الأسرة، وتوسيع هذا المشروع، وتقديم الدعم الكافي لها، ومنذ عامين وصلت ميزانيتها لـ14 مليون جنيه، وفي العام الحالى تعمل بسبعة ملايين فقط، لذا علينا التوجه لهذه المكتبة ودعمها ماديًا، وستكون هي القادرة على إنعاش عملية بيع إصدارات دور النشر.

* ماذا تحتاج مكتبة الأسرة بالتحديد للعب هذا الدور المخول لها؟
•• المكتبة تحتاج لدعم يصل إلى ما يقارب 20 مليون جنيه مصري، كى تقوم بدورها المرجو في شراء إصدارات دور النشر وتقديم دعم لهذه الإصدارات حتى تصبح بمكانة "طبعة شعبية" تقدم للجمهور.

* تردد أن إصدارت مكتبة الأسرة تعاني عدم الانتشار، وبقيت في مخازن الهيئة تمهيدًا لفرمها، ما تفسيرك لهذا؟
•• إصدارات مكتبة الأسرة لديها خطوة متبعة في التوزيع، حيث يتم توزيع 29% من الطبعات، ويظل الباقي في المخازن ليتم توزيعه حسب هذه الخطة، كما أنه لم تفرم أي طبعة من إصدارات المكتبة إلا الكتب التي لا تقرأ فعلًا، ومن يواجه صعوبة في عملية بيعه يتم عرضه في جناح الكتب المخفضة التابع للهئية.

* سمعنا عن مشروع لترجمة الأدب العربي للغات أجنبية بشراكة بين الهيئة والقومي للترجمة، ماذا توصلتم في هذا المشروع؟
•• أنا على المستوى الشخصي لدي حلم لترجمة الأدب العربي للغات أجنبية وتصديره إلى الخارج، وحدث تواصل بالفعل مع الدكتور أنور مغيث رئيس المركز القومي للترجمة، وهو الجهة المختصة في هذا الشأن، ونحن الآن في مرحلة الإعداد للمشروع من خلال البحث عن دار نشر أجنبية لتكوين شراكة بين الطرفين، ومن ثم الاتفاق على نشر عدد من الإصدارات.

* ننتقل لمشروع إعادة هيكلة النشر داخل الهيئة، والتي عكفت عليها لجنة النشر، وجاء في إثرها تقليص عدد الإصدارات، فما هي آلية تقليل عدد الإصدارات؟
•• وجدنا أن هناك أشخاصًا لهم أكثر من مهمة في أكثر من إصدار، وإثر ذلك اتخذنا قرار بعدم ازدواجية المهام، ويعني أن لكل شخص مهمة واحدة فقط، ونهدف من هذا القرار لتركيز الخبرات الشخصية للعاملين بالمجالات في اتجاه عمل واحد كي يخرج المنتج النهائي بالشكل المطلوب.

* بهذا القرار هل سيكون هناك تسريح لعدد من العاملين بالإصدارات؟
•• ما حدث كان العكس، فعندما شرعنا في تطبيق القرار وجدنا أن هناك مهامًا شاغرة تتطلب استقدام أيدي عاملة لها، وسيعود ذلك على الهيئة وإصداراتها بالنفع، وذلك لأن الاختصاصات ستتنوع وتتحدد، فضلًا عن الالتزام بمواعيد إصدار هذه الإصدارات في المواعيد المحددة لها.

* هناك علامة استفهام على بعض رؤساء التحرير الذين تم الاستغناء عن خدماتهم رغم ما حققوه من نحاج بحسب ما أشار البعض، ومنهم محمد شعير رئيس تحرير مجلة عالم الكتاب؟
•• بعيدًا عن النوايا فالوقائع تقول إن اسم محمد شعير بقي مطروحًا على لجنة إعادة هيكلة النشر، وكانت هناك رغبة في أن يستكمل عمله في رئاسة تحرير المجلة، إلا أنه خرج وقدم اعتذاره عن هذه المهمة على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، حتى لم يتقدم بها في شكل رسمي.

* يبقى هناك مشكلة أخرى تواجهها إصدارات الهيئة من عدم رواج في الأسواق رغم مضمونها الجيد، برأيك ما السبب في ذلك؟
•• السبب في ذلك يرجع لضعف الدعاية والإعلان لهذه الإصدارات، فالإعلان عن هذه الأعمال أمر في غاية الأهمية، وبالفعل أصبحنا ننتبه لهذا الجانب، ونضع في الاعتبار أيضًا ضخامة الرقم الذي تصدرة الهيئة من كتب ومجلات وغيرها، لذلك تنتقص هذه الأعمال من انتشار بعضها بعضًا.

*الطباعة الورقية في العالم تتراجع الآن بشكل واضح، هل تضعون في الاعتبار هذا التراجع وكيف ستتعاملون معه؟
•• بالفعل هناك تراجع واضح في المطبوعات الورقية، وكان هناك إغلاق للعديد من الصحف الورقية بعد الأزمات الاقتصادية التي عانت منها نتيجة عدم بيع إصداراتها، وبالطبع هذا الأمر نضعه في الاعتبار، لذلك لابد أن نفرق هنا بين الطباعة والنشر، فإن حدث تراجع في الطباعة فعملية النشر مستمرة بصورها المختلفة كالنشر الإلكتروني، فلابد من الآن التفكير في وجود مشروع نشر إلكتروني بجانب الورقي.

* لكن نحن نفتقر لثقافة دفع الأموال مقابل الثقافة، وهذا يهدد بالطبع النشر الإلكتروني أيضًا، فكيف ستتعاملون مع ذلك؟
•• إذا فكرنا قليلًا سنجد أن النشر الإلكتروني سيوفر الكثير على الناشر، فلن يكون هناك أدوات للطباعة أو غيرها، وهنا ستقل تكلفة نشر الكتاب، ومن ثم سيقل سعره بشكل كبير جدًا، وهذا سيمثل دافعًا قويًا لدى الجمهور لاقتناء إصدارات دور النشر الجديدة.
الجريدة الرسمية