رئيس التحرير
عصام كامل

شهادات ضحايا «اعتقالات سبتمبر».. هيكل: عملية «الانقضاض» بدأت عقب عودة السادات من واشنطن.. صافيناز كاظم: أخذوني من قيام الليل بتهمة تكوين تنظيم شيوعي.. محمد فايق: السجون كانت فنادق

الرئيس محمد أنور
الرئيس محمد أنور السادات

«هناك فئة من الشعب تحاول إحداث الفتنة الطائفية.. الحكومة حاولت نصح تلك الفئة أكثر من مرة، وإن الآونة الأخيرة شهدت أحداثا هددت وحدة الوطن واستغلتها تلك الفئة وسلكت سبيل العنف وتهديد الآمنين».. بدأ الرئيس الراحل محمد أنور السادات بيانه بهذ الكلمات من تحت قبة مجلس الشعب في 5 سبتمبر 1981، ليبرر فيها للشعب المصري اعتقال ما يزيد من 2000 مثقف وسياسي مصري، وقال بعض المؤرخين إنهم قاربوا على 3 آلاف معتقل فيما عرفت بـ« اعتقالات سبتمبر».


الاعتراض على كامب ديفيد
وكان السبب الرئيسي وراء هذه الحملة من الاعتقالات، معارضة اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها «السادات» مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «مناحم بيجن» في 17 سبتمبر 1978، تحت إشراف الرئيس الأمريكي السابق « جيمي كارتر»، معتبرين الاتفاقية تحقق سلامًا وهميًا، كما أنها لا تحفظ لفلسطين حقها في استعادة الأرض.

أشهر الأسماء المعتقلة
وكانت أشهر الأسماء التي شملها هذا القرار، "فؤاد سراج الدين، محمد حسنين هيكل، فتحي رضوان، الشيخ المحلاوي، الدكتور محمود القاضي، صلاح عيسى، عادل عيد، المهندس عبد العظيم أبو العطا وزير الري الأسبق، إبراهيم طلعت، أبو العز الحريري، الدكتور عصمت سيف الدولة، محمد فايق، فريد عبد الكريم، حمدين صباحي، كمال أبو عيطة، عبد المنعم أبو الفتوح، نوال السعداوى، لطيفة الزيات، صافيناز كاظم ".

كما شملت قائمة المعتقلين:" محمد عبد السلام الزيات، شاهندة مقلد، فريدة النقاش، الدكتور عواطف عبد الرحمن، الدكتور أمينة رشيد، الدكتور حسن حنفي، عبد العظيم مناف، عبد العظيم المغربي، كمال أحمد، الدكتور محمد حلمي مراد، عمر التلمساني، محمد عبد القدوس، محمد سلماوى، الدكتور كمال الإبراشي، والمحامي عبد العزيز الشوربجي، وحسين عبد الرازق، والشيخ عبد الحميد كشك، وآخرين".

وعقب اغتيال السادات، وتولي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك مقاليد الحكم في البلاد، أفرج عن جميع المعتقلين في السجون على خلفية أحداث « سبتمبر 1981 » وأخذ عدد من المثقفين في سرد تفاصيل لحظات الاعتقال ويومياتهم في المعتقل.

التهمة تنظيم شيوعي

وقالت الدكتورة صافيناز كاظم، "إنه في الساعة الثانية صباح الخميس 3 سبتمبر عام 1981 داهمت مباحث أمن الدولة بيتي واعتقلتني، لأكون معتقلة مستديمة في كل مناسبة ومن دون مناسبة، أخذوني من صلاة قيام الليل لأوضع تحت بند قضية إنشاء وتكوين تنظيم شيوعي، أبقوني ساعات في قسم النزهة ثم أوصلوني بعد شروق الشمس إلى سجن القناطر للنساء، فقد كنت ضمن القطفة الأولى لما يسمى الآن اعتقالات سبتمبر عام 1981 الشهيرة".

حشرات المعتقل
وأضافت، أدخلوني قسم سجناء الرأي بمبنى مستشفى السجن، ثم وجدت نفسي نزيلة غرفة مع معتقلتين سابقتين هما: شاهندة مقلد وفريدة النقاش، رفقة السجن مثل رفقة السفر ورفقة الزواج، ليس المهم بالدرجة الأولى الاتفاق أو الاختلاف في الرأي أوالمنطلق السياسي، بشكل نهائي المهم هو التعاون النفسي وإنسانية المشاركة، وهذا ما خشيت ألا أجده مع فريدة، كانت الغرفة بها حوض تنتشر من مواسيره ليلًا صراصير حمراء كبيرة وتغطي الجدران، ومن خبرة اعتقالين سابقين عام 1973 وعام 1975 توصلت لحل هو إضاءة النور ليلا بالغرفة حتى لا تخرج الصراصير بكثافة وضمان عدم زحفها فوقي وأنا نائمة.

إضاءة المعتقل
وقالت « صافينا كاظم »، "طلبت من شاهندة وفريدة السماح بترك النور مضاء عند النوم، وافقت شاهندة لكن فريدة قالت: ما أعرفش أنام والنور والع، قلت لها: وتعرفي تنامي والصراصير ماشية فوقك؟.. وقلت: ليلة زي بعضها، وفي صباح اليوم التالي بعد ليلة رعب مع الصراصير قلت لشاهندة: ويقولوا مافيش تعذيب...ما اسم السجن مع فريدة إذن؟".

عنبر المتسولين
استطردت صافيناز كاظم،  في صباح الأحد جاءت المشرفة ونادت اسمي وأمينة رشيد وأمل إسماعيل وقالت: معايا على عنبر المتسولين.. وهو عنبر يضرب به المثل في السجن لقذارته وامتلائه بالجرب ويشتكي منه المتسولون. قلت للمشرفة: من حقنا البقاء في قسم جرائم الرأي. قالت هامسة: حق إيه؟ ليس لكم حتى الحق في زيارة أو طعام من الخارج أو ملابس أو تحويلات للكنتين ".

وتابعت: دخلنا العنبر، الذي كان ينفصل عن بقية السجن بفناء خاص به له باب حديدي مغلق، غير بوابته الحديدية الخاصة به والمغلقة كذلك معظم الوقت، كانت هناك أربع فتيات تتراوح أعمارهن بين 15 سنة و20 سنة، بين منتقبة ومختمرة، ثم توالى قدوم الدكتور نوال السعداوي والدكتورة لطيفة الزيات، لاحظت أنهن جميعن لم يحضرن ملابس أو أشياء خصوصية مثل الليف والصابون وفرشة الأسنان والمعجون والملعقة والكوب البلاستك والمناشف... إلى آخر لوازم المعتقل الضرورية، التي بت أحفظها عن ظهر قلب، فقد صدقن حكاية كلمتين شوية كده وراجعين».

خريف الغضب
وقال أيضا الكتاب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل في كتابه «خريف الغضب»، "إن عملية الانقضاض بدأت فجر يوم 3 سبتمبر عقب عودة السادات من واشنطن، وكان الانقضاض من خلال حملة اعتقالات واسعة شملت 3 آلاف شخص، وكانت بعض الاعتقالات بين صفوف الشباب من الطلبة وأعضاء الجماعات الدينية سهلة نسبيًا، ولكن اعتقالات الساسة والمثقفين وعدد من القيادات الدينية من المسلمين والمسيحيين، جرى تخطيطها بعمليات شبه عسكرية".

خطاب السادات
ويكشف المفكر اليساري الراحل محمد عودة الذي كان من ضمن المعتقلين السياسيين في اعتقالات سبتمبر في مذكراته عن المرافقة الغريبة التي كانت سببًا في اعتقاله، وهي تأخره في السفر إلى باريس حيث كان منتظر الاستماع إلى خطبة السادات، مما أتاح الفرصة للأمن للقبض عليه ووضعه مع عشرة أشخاص من الإخوان في مشهد يجمع بين المتناقضين، وكانت تهمته التجسس لصالح الاتحاد السوفييتي السابق.

تحديد إقامة بابا الكنيسة

وشمل الاعتقال رأس الكنيسة المصرية إذ كان خلاف وقع بين الرئيس السادات والبابا شنودة عندما طلب من البابا إرسال وفود مسيحية لزيارة القدس في إطار جهود السادات لتفعيل معاهدة كامب ديفيد، ولكن البابا رفض إرسال أي وفود إلى بيت المقدس، الأمر الذي أثار حنق وغضب السادات على البابا شنودة.

إلغاء انتخاب البابا
وقرر «السادات»، إلغاء القرار الجمهورى بالموافقة على انتخاب البابا شنودة الثالث بطريرك، وتم عزله وتعيين لجنة خماسية لإدارة الكنيسة، وتحددت إقامته في الدير بوادي النطرون وفى صباح 5 سبتمبر جرى تطويق الدير الذي كان يقيم فيه "البابا شنودة " بقوات الأمن، وطبقا لكتاب "خريف الغضب"، ذهب الأنبا "أبشواى" إلى "البابا" قبل اعتقاله مباشرةً يسأله إذا كان سيشاهد خطاب السادات في التليفزيون، فرد البابا بأنه لن يفعل وسوف يأوى إلى غرفته ليقرأ.

وجبات فايق الساخنة
ويروي محمد فايق، رئيس المجلس الومي لحقوق الإنسان واقعة اعتقاله ضمن حملة سبتمبر، والتي وصفها بأنها حالة من حالات الذعر التي اتسم بها السادات في أواخر حكمه لمصر، قائلًا "إن السجون في مصر حينها كانت تشبه فنادق الدرجة الأولى أو الثالثة، فليست السجون كلها تعذيبًا أو تكسيرًا لحجارة الجبل، فمحمد فايق الذي يدخن السيجار، يقول كانت ترسل إحدى العربات إلى منازل المعتقلين لتحضر لكل واحد وجبة غذاء من منزله، وكان السيجار يرسل مع كل وجبة.
الجريدة الرسمية