رئيس التحرير
عصام كامل

الآثار الاقتصادية لزيارات الهند وباكستان


قام الدكتور محمد مرسى خلال الأسبوع الماضى بزيارة سريعة لكل من باكستان والهند، وتأتى الزيارة فى ضوء توجه بوصلة الرئاسة نحو الشرق لجذب مزيد من الاستثمارات وزيادة التبادل التجارى بين مصر وبين دول الشرق، ومحاولة جديدة فى زيادة وتنمية التعاون الاستراتيجى مع دول الشرق التى نمت وتطورت تطوراً مذهلاً خلال العقدين الأخيرين، فزيارة الرئيس للهند وباكستان جيدة للغاية فعلاقات مصر الخارجية لا يجب أن تقتصر على أمريكا ودول الخليج فقط..


خاصة أن الملف الاقتصادى المصرى وما يمر به من مأزق حقيقى تشهده البلاد يحتاج لضخ مزيد من الاستثمارات الأجنبية فى شرايين الاقتصاد المصرى، فالاستثمارات الأجنبية انخفضت خلال عام 2012 لأقل من 2 مليار دولار بعد أن كانت متجاوزة الـ 13 مليارًا فى عام 2008، ولكى تظهر أهمية زيارات الرئيس الخارجية لجذب الاستثمارات الأجنبية لابد أن نعلم أن مساهمات العرب والأجانب خلال عام 2011 فى الشركات المؤسسة والقائمة طبقاً لقوانين الاستثمار تدهورت لتصبح 5.3 مليارات جنيه (أى أقل من مليار دولار) بعد أن كانت تزيد على 7.2 مليارات جنيه فى عام 2010 كما انخفضت مساهمة العرب لتصبح 6.1 مليارات جنيه خلال عام 2011 بعد أن كانت متجاوزة الـ15 مليار جنيه خلال عام 2010 ثم تدهورت خلال عام 2012 لأقل من ذلك.

ومن ناحية أخرى فإن معدل النمو فى الاقتصاد المصرى يحقق أقل من 2% بعد أن كان فى حدود 7% سنوياً خلال عام 2010 والاتجاه نحو الشرق عموماً هو اتجاه جيد.. لبحث سبل وآفاق جديدة للنمو والتنمية الحقيقية لمصر والاستفادة من تجارب الدول التى سبقتنا فى خطط التنمية، وعلى رأسها الصين والهند وكوريا وماليزيا وسنغافورة.. وغيرها من الدول تقدمت خلال السنوات القليلة الماضية.

حجم التبادل التجارى بين مصر والهند حالياً فى حدود 5 مليارات دولار يصب فى معظمه لصالح الهند، وهذا التبادل التجارى لا يليق بدولتين مثل مصر والهند، وخاصة أن العلاقات السياسية المشتركة قديماً وعلاقة الرئيس جمال عبد الناصر بالزعيم نهرو الهندى، ومؤتمر دول عدم الانحياز خير شاهد ودليل على عمق العلاقات بين مصر والهند.. وأن عمق العلاقات قادرة على إذابة الجليد الذى تكون خلال فترة حكم النظام السابق الذى كانت بوصلته الوحيدة لدول الخليج وأوربا وأمريكا فقط ودون غيرها.. فالتبادل التجارى الحالى بين مصر والهند لا يعبر عن الفرص والإمكانيات الحقيقية والمتاحة لدى البلدين، خاصة أن دولة مثل الهند تقدمت فى مجال البرمجيات والهاى تك والتكنولوجيا وأيضا الصناعات الثقيلة والبتروكيماويات، وخاصة أن الهند حاليا من دول العشرين top" ."20

وتأتى زيارة "مرسى" لباكستان كأول زيارة لرئيس مصرى منذ أكثر من 40 عاماً وتحديداً فى عهد جمال عبد الناصر، خاصة أن باكستان دولة نووية تمتلك تكنولوجيا نووية هائلة وكذلك تمتلك قدرًا من التميز والتقدم فى مجالى الصناعات البتروكيماوية والنسيجية والصناعات التقليدية، ومن ثم يكون الانفتاح على دولة مثل باكستان بهدف زيادة التبادل التجارى والاستثمارات المشتركة بين رجال الأعمال فى البلدين ولا سيما أن حجم الاستثمارات المشتركة بين مصر وباكستان لا يتجاوز الـ 3 مليارات دولار، فى حين أن حجم التبادل التجارى بين مصر وباكستان لا يتجاوز الـ 400 مليون دولار.

وهذه الأرقام الضئيلة والضعيفة لا تعبر بأى حال من الأحوال عن الإمكانيات المتاحة فى كل دولة والفرص التبادلية بين الدولتين.. ومن ثم تكتسب زيارة السيد الرئيس أهمية فى تفعيل العلاقات الاقتصادية وزيادة التبادل التجارى وجذب مزيد من الاستثمارات الهندية والباكستانية إلى مصر ولكن حتى لا نخطئ أخطاء الأمس.. وتكون الزيارات عبارة عن لقاءات وبروتوكولات ومذكرات تفاهم توقع ثم يلقى بها فى الأدراج لا يستفاد منها.. وتكون المحصلة النهائية للزيارة لا شىء.. يجب تفعيل نتائج الزيارة ومتابعة جادة ومخلصة لما أسفرت عنه الزيارة وأيضا تفعيل ماجاء بالبروتوكولات ومذكرات التفاهم وتحويل الأمانى والأحلام إلى حقائق ملموسة.. بدلاً من أن تكون سرابًا وجهدًا ضائعًا بلا عائد.

ويأتى ذلك من خلال متابعة نتائج الزيارة وقيام وزارة الاستثمار والصناعة والتجارة بتكوين لجنة مشتركة بمتابعة الزيارات الرئاسية وتحقيق ما وصلت إليه من نتائج واتفاقيات وتفعيلها على أرض الواقع.. كما يجب أن يكون فى الرئاسة شخص أو لجنة مسئولة عن متابعة نتائج الزيارات الرئاسية ومحاولة إزالة كافة العوائق أمام تفعيل الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون وإصدار نشرة شهرية أو ربع سنوية، يوضح بها ما تحقق من إنجازات ونتائج ملموسة على أرض الواقع من زيارات الرئيس.

كما أن الواقع يفرض علينا تهيئة المناخ العام للاستثمار داخل مصر ليكون جاذبًا للاستثمار الأجنبى والعربى فمصر تملك مقومات للاستثمار، منها على سبيل المثال إتاحة الطاقة بأسعار أقل من الأسعار العالمية للمصانع ووجود نظم ضريبية ميسرة مقارنة بما هو متبع فى العديد من الأنظمة العالمية، فمثلا الضريبة فى إيطاليا فى حدود 65% من الدخل، وفى الولايات المتحدة فى حدود 40% ودول أوربا تتراوح من 35% إلى 45%، أما فى مصر فهى 20% وما يزيد على مليون جنيه يخضع إلى شريحة ضريبية 25%، أيضاً من مقومات جذب الاستثمار فى مصر توافر الأراضى وبرامج الدعم الفنى سواء فى الصناعة أو دعم الصادرات، وكذلك توافر الأيدى العاملة وأيضا الموقع الجغرافى المتميز لمصر، ولكن كل هذا لا يساوى شيئاً أمام ضرورة تهيئة البيئة التشريعية الجاذبة والمساعدة على نمو الاستثمار الأجنبى فى مصر.

خاصة فى ظل وجود غابة من التشريعات والقوانين الحاكمة للاستثمار والتى تحتاج إلى تعديلات جذرية.. أيضا وجود معوقات تواجه المستثمرين فى الحصول على الأراضى كحق انتفاع أو تخصيص لإقامة مشروعاتهم نظراً لتعدد الجهات المالكة للأراضى وغياب التشريعات الحاكمة والمحددة للمنح، أيضا هناك عوائق متمثلة فى استصدار التراخيص اللازمة لإقامة الشركات الصناعية.

أيضا من العوائق عدم تحديد دقيق للفرص الاستثمارية فى مصر وتحديد خريطة استثمار واضحة المعالم يتم من خلالها وجود آليات وضوابط لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبى فى مصر.. وتوجيه بوصلة الاستثمار والمستثمرين لمصر يحتاج أيضاً تحسين الأداء الاقتصادى المصرى وعلاج ظاهرة الانفلات الأمنى لتحسين التصنيف الائتمانى لمصر الذى انخفض للمرة السابعة ليصل إلى c1 مرحلة الخطر ومرحلة التعثر المالى والاقتصادى مما يقلل قدرة مصر على جذب مزيد من الاستثمار وزيادة تكلفة الاقتراض الخارجى، فمصر الآن فى مكانة فى التصنيف الائتمانى أعلى من قبرص بدرجة واحدة وأعلى من اليونان بدرجتين فقط.

كما أنه من الضرورى تعديل قوانين العمل وتحديد حقوق وواجبات العمال وأصحاب العمل تحديدا واضحا لإيقاف المظاهرات الفئوية وإيقاف ازدياد نفوذ وضغوط العمالة على أصحاب المصانع والشركات.. أيضا من الضرورى التأنى فى إحالة رجال الأعمال للمحاكمات وتهديد مصالحهم.. وفتح الباب للتصالح معهم طالما أن الأمر متعلق بفساد مالى فقط، مع وضع ضوابط وشروط للتصالح كفيلة بإرجاع حقوق الدولة فإذا كان مجتمع الأعمال المحلى محل اتهام دائما فهذا سيعطى انطباعًا سيئًا وسلبيًا أمام مجتمع الأعمال الأجنبى الذى يرغب فى الدخول للاستثمار فى مصر.

الجريدة الرسمية