نريد عقولا!
في هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر، أحسب أننا في أمس الحاجة على المستوى المجتمعى العام إلى عقول تعى جيدًا أن العلم؛ منهج وبحث وتخطيط وإدارة ومتابعة، هو طريق النهوض والتقدم، وأن الجهل هو سبب التخلف والتردى، وشتان بين إنسان يعى وآخر يجهل "قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولو الألباب" (الزمر: ٩)، "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" (المجادلة: ١١)، وغير ذلك الكثير..
نريد عقولا تدرك أن الوحدة هي السبيل إلى القوة، وأن التفرق والتشرذم هو عنوان الضعف، وأن المواطنة والتعايش بين فئات وشرائح المجتمع المختلفة هي القيمة الكبرى التي يجب أن نحرص عليها.. نحتاج عقولا تدرك ما يراد بالأمة من مخططات وما يحاك لها من مؤامرات -خارجية وداخلية- تستهدف أمنها واستقرارها وسلامتها، فتأخذ حذرها..
نريد عقولا تفهم بشكل واضح ما هو مطلوب منها، وما هي أولوياتها في هذه المرحلة، وكيف تعيش حاضرها، وتستشرف مستقبلها... نحتاج عقولا تدرك جيدًا أن الله تعالى يحب من عباده الذين يتقنون عملهم، وأن هناك من الذنوب والآثام ما لا يكفر عنها صلاة أو صيام، وإنما السعى وراء الرزق..
نريد عقولا تعى أن السلبية تهدر طاقات الأمة وتعوقها عن بلوغ الآمال، وأن الإيجابية والأخذ بزمام المبادرة واقتحام الصعاب، هي أساس الظفر والانتصار.. نريد عقولا تدرك أن التخطيط لأى عمل هو أمر حتمى، وبدونه تصبح الحياة في كل مناحيها عشوائية وارتجالية، وهو ما يؤدى إلى العجز والفشل والشلل.. نريد عقولا تفهم أن الأنانية تسلب المجتمع أهم مقوماته، من تماسك وتعاون وتعاطف وتراحم، فضلا عن أنها تزرع الأحقاد والكراهية بين جنباته.. للأسف، أصبح الذين يعملون للصالح العام استثناءً، والذين يعملون للمصالح الذاتية يمثلون القاعدة.. ومن ثم بديهى أن يتصادم الجميع..
أعتقد أن من النتائج السلبية لثورة ٢٥ يناير أنها جعلت كل فرد فينا يتصور أن له الحق في أن يفعل ما يريد، ولو على حساب الآخرين.. بمعنى آخر، برزت المصلحة الخاصة، وتوارت المصلحة العامة، وتصورنا أن الحرية هي الفوضى، ويبدو أن الشدة عندما تنتهى والأزمة تزول تبدأ المصالح الفردية والفئوية في الظهور والبروز، وتعود "ريمة - كما يقال - إلى عادتها"...
نريد عقولا تفهم جيدًا أن الانفلات القيمى والأخلاقي، ليس مفسدة فحسب، وإنما ضياع وتدهور وانهيار على المستوى المجتمعى العام "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت**فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا"..
نحتاج عقولا تعى أن الاستسلام للشائعات هادم ومدمر لأى بناء، وأن عليها أن تتاكد مما يقال، وأن ترد الأمر إلى أهله "وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا" (النساء: ٨٢).. نريد عقولا تدرك أن احترام سيادة القانون هو حجر الزاوية في حياة أي مجتمع، وذلك لإقامة العدل والأمن والاستقرار بين الناس، ودون ذلك يتحول المجتمع إلى فوضى أو غابة تحكمها الذئاب.