رئيس التحرير
عصام كامل

مطلوب مستند التجنيد لمن بلغ الـ٧٥ عاما !


واجهت أمس، الأربعاء، وداخل مجمع التحرير التاريخي، عجيبة جديدة من عجائب حياتنا المصرية. بالطبع العجائب مرتبطة بالمصائب منذ يوم ٢٥ يناير ٢٠١١، لكن عجيبة الأربعاء هي من النوادر التي تستحق الحكى والاستغفار. تبين لي وأنا ذاهب إلى استصدار جواز سفر جديد بدلا من القديم المفقود، ومعى بالطبع محضر فقدان الجواز، أن على احضار مستند التجنيد.


تبدو الجملة عادية ؟!

قد تبدو لمن هم في سن التجنيد أو تحت الطلب، والاستدعاء، والتعبئة. ولابد أن الرائد المسئول بقسم الجوازات كان يعرف أني سأضحك على دعابته، واتقبلها، رغم ثقل ظلها، لا ظله هو بالقطع، لكنى لم ألبث أن قرأت جديته الصارمة في ضرورة الانصياع لشروط وزارة الدفاع في تقديم مجموعة من المستندات من بينها النص التالي:

مستند 6 التجنيد للمواطنين ابتداء من مواليد ١٨مارس١٩٤١، باستثناء الذين لم يبلغوا سن ١٩ سنة بعد.

اغتصبت ابتسامة، ووضعتها على فم مغلق الشفتين، في محاولة لإظهار روح الود بيني وبين الضابط، الذي كان من الواضح أنه معتاد على طلة البلاهة التي احتلت ملامحي وتحولت لسخرية مكتومة وغضب يستفحل!

قلت له: أنا من أيام حرب أكتوبر، أنا مواليد خمسين، أنا خلصت الجيش والجامعة والشغل، أنا مواطن على المعاش!

بمودة صادقة عاود تفهيمي: حضرتك.. عارف والله، لكن هذا الشرط خاص بوزارة الدفاع، ونحن نعاني مع المواطنين كبار السن!

ثم سكت وقال: اقرأ النص جيدا، ليس فقط من بلغوا الخامسة والستين بل أيضا من زادوا عليك بعشر سنوات، أي في الخامسة والسبعين!!

هتفت محنقا: معقول، طب مفيش حل، طب أحب أشوف مدير الجوازات.

شفته، لواء بشوش صبور، أعاد على نفس القصة!

والآن، يجب على أن أفعل واحدا من ثلاثة أفعال قاتلة: أن أبحث في أوراقي كلها، وهي أكوام وتلال عن شهادة قدوة حسنة التي خرجت بها من الجيش عام ١٩٧٦، أو اسحبها من ملف خدمتي، أو اذهب إلى السجلات العسكرية!

اعتذر للقارئ عن غزارة علامات التعجب، لكن الأمر يفلق ويغيظ.

لماذا تريد وزارة الدفاع مستند تجنيد رجل فوق الستين والسبعين، وأخرج جوازات سفر خمس أو ست مرات على مدى حياته المهنية؟ ما وجه المصلحة الوطنية، ونحن لها نخضع بلا مناقشة، في تعذيب رجال في سن متقدمة، ملامحهم وهوياتهم، وأمراضهم تغني عن ألف شهادة أداء خدمة عسكرية؟

لمصلحة من هذا التضييق على كبار السن. أفهم أن أطلب جواز السفر فتقدمه لي الدولة حتى بيتي، وأفهم أن المواطن فوق السن هو مواطن سينيور، كما يطلقون عليه في أوروبا والدول المتقدمة، بل يخصصون للسينيور مواطن هذا مقاعد في المواصلات العامة لا يجرؤ راكب على شغلها حتى وهي شاغرة.

واحد عدى السبعين عايز مستند تجنيده في إيه؟

بصراحة هم يبكي وهم يضحك، ويؤلم. إننى أتمنى أن تلقى هذه الكلمات الحزينة صدى لدى الفريق صدقي صبحى وزير دفاعنا البطل، وأن يأمر بإعادة النظر في هذا الشرط الغريب المتعسف، الذي لا نرى له فائدة وطنية، بل بالعكس، يوغر صدور أناس يتهيأون للحج أو للعمرة، وهم ساخطون على من يجعل حياتهم أتعس.

من المؤكد أن وزير الدفاع سيبادر إلى إلغاء هذا الشرط عن ملايين الكبار، يصدمهم ويعطلهم، أنهم تحت التجنيد في سن ثلاثة أرباع قرن! معقول لدينا ناس تفكر هكذا؟
كان الله في عونك يا بلد!
الجريدة الرسمية