رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا لا يتعلم السيسي من دروس التاريخ ؟!


قد يتبادر لذهن القارئ مباشرة أن المقصود هو تعلم السيسي من الماضى القريب خاصة ما حدث لمبارك ومن بعده مرسي من ثورة الشعب عليهما خاصة الفقراء والكادحين الذين شربوا المر بفعل سياسات حكومتهم، والتي جعلت الملايين يتساقطون من فوق السلم الاجتماعى ليستقروا في قاع المجتمع تحت خط الفقر، حيث أصبحوا عاجزين عن تلبية أدنى احتياجاتهم المعيشية، وبالطبع ما وصل إليه حال المواطن أثناء حكم مبارك ومن بعده مرسي لا يمكن مقارنته بما وصل إليه الآن في ظل حكم الرئيس السيسي وسياسات حكومته التي مازالت تضغط على أنفاس المواطنين الفقراء حتى قاربت أن تخرج أرواحهم من أجسادهم، لكننا ومع تقديرنا لهذا النموذج الذي على الرئيس أن يتعلم منه، خاصة وأن الفقراء والكادحين لا يوجد لديهم ما يخشون عليه ليخرجوا على الحاكم وما حدث مع مبارك ومرسي خير شاهد وخير دليل.


لكننا هنا نقصد بدروس التاريخ دروسا أخرى من الماضى البعيد نسبيا وليس الماضى القريب جدا، والذي شهده الرئيس بعينيه ونحن معه بل أننا كنا جزءا من صناعته، والمقصود هنا تجربتان مصريتان للنهضة والتنمية الأولى جاءت في مطلع القرن التاسع عشر وكانت لرجل ألبانى اختاره المصريون ليكون حاكما لهم وهو محمد على باشا، والثانية جاءت في منتصف القرن العشرين على يد حاكم مصرى خرج من صفوف الفقراء والكادحين وقام بثورة خلصت مصر من براثن الاستعمار وهو الزعيم جمال عبد الناصر، ولكل من محمد على وجمال عبد الناصر تجربة فريدة في بداية حكمهما مع خصومهما ودائما ما يكون الخصوم نوعين خصوم سياسيون وخصوم اقتصاديون.

وهو ما يواجهه الرئيس السيسي الآن ونجده عاجزا عن مواجهته أو التعامل معه بل نجده غير قارئ للتاريخ لأنه لو قرأ هاتين التجربتين جيدا لتعلم منهما كيف تكون المواجهة وكيف يكون التعامل معهما وبالتالي يتمكن من تحقيق نهضة وتنمية حقيقية لو كان يحلم كما يدعى بذلك، أو لو كان يريد النجاح والاستمرار في الحكم لفترة رئاسية جديدة وبدعم شعبي كالذي صعد به إلى سدة الحكم خاصة في ظل تآكل وتراجع رصيده الاجتماعى نتيجة الفشل في تحقيق أحلام البسطاء في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، بل حتى الفشل في الحفاظ على أوضاعهم المعيشية التي كانوا عليها أثناء حكم مبارك ومرسي، فما يواجهه الفقراء والكادحين من معاناة اقتصادية لم يشاهدوها من قبل، وما لم يستطيعوا الصبر عليه في الماضى القريب لن يتحملوا أضعافه الآن وهم على فواهة بركان يكاد ينفجر في أي لحظة.

إذن ما هو السبيل لخروج الرئيس السيسي من هذه الورطة؟ وما هي دروس التاريخ التي لم يتعلمها من محمد على وجمال عبد الناصر؟ أولا فيما يتعلق بالخروج من الورطة فعليه أن يحدد وبدقة خصومه السياسيين والاقتصاديين وبعدها عليه أن يتحرك للتخلص منهما إذا كان بالفعل يريد تحقيق نهضة وتنمية حقيقية، أو على أقل تقدير لإرضاء الفقراء والكادحين الذين صعدوا به إلى سدة الحكم أملا في تحقيق أحلامهم التي تدنت إلى أن أصبحت امكانية العيش من خلال القدرة على توفير الاحتياجات الضرورية للحياة..

وهنا تأتى أهمية مراجعة تجربتى محمد على وجمال عبد الناصر في مواجهة الخصوم، وبالطبع لا بد وأن نؤكد في البداية أننا ندرك أن الظرف التاريخى مختلف لكن يظل الظهير الاجتماعي الشعبي هو الفيصل في نجاح الحاكم في التخلص من خصومه خاصة وإن كان هؤلاء الخصوم هم خصوما للشعب أيضا.

لقد كان محمد على على دراية كاملة بخصومه السياسيين والاقتصاديين وعندما تولى الحكم بدأ بخصومه الاقتصاديين فتخلص من الملتزمين ونظامهم الذي كان يقهر الفقراء من الفلاحين، واستبدله بنظام الاحتكار حيث أصبح هو المالك الوحيد للأرض الزراعية في مصر، وأصبحت الضرائب تجمع من الفلاحين مباشرة مرة واحدة في العام وهو ما جعل الفلاحين يقفون خلف محمد على ويدعمونه، أما خصومه السياسيين فكانوا المماليك الذي صبر عليهم حتى جاءته الفرصة ليتخلص منهم بضربة واحدة فيما عرف بمذبحة القلعة عام 1811 وبعدها تمكن من بناء دولته الحديثة.

وعلى نفس المنوال مع اختلاف الظرف التاريخى تمكن جمال عبد الناصر من تحديد خصومه الاقتصاديين والسياسيين وبدأ هو أيضا بالخصوم الاقتصاديين وقضى على الاقطاع المعادى للشعب المصرى عبر قوانين الإصلاح الزراعى التي مكنت الفلاحين من أراضيهم المنهوبة لذلك قام الشعب بدعم الثورة وقائدها، أما خصومه السياسيون فقد تخلص من جزء منهم مع إلغاء الأحزاب وقانون العزل السياسي، ثم حملات الاعتقال للإخوان والشيوعيين، وبذلك استتب له الأمر وتمكن من بناء تجربة تنموية مستقلة.

هذه هي دروس التاريخ وعلى الرئيس السيسي إذا أراد الاستفادة منها قبل فوات الأوان، أن يتحرك أولا في مواجهة خصوم الشعب الاقتصاديين وهم رجال فساد نظام مبارك الذين يطلقون على أنفسهم رجال الأعمال الذين كونوا ثرواتهم بالسرقة والنهب وعليه فقط أن يطبق عليهم قانون من أين لك هذا؟ ويبحث في أصولهم الاجتماعية ساعتها سيكتشف أن هذه الثروات منهوبة من قوت الشعب المصرى وعليه أن لا يخشي من القوى الدولية التي تحمى هؤلاء السارقين، لأنه سينتزع هذه الثروات لصالح الفقراء والكادحين والذين سيقفون خلفه بكل قوة وسيدعمونه كما دعموه أثناء تخلصه من جزء من خصومه السياسيين وهم الإخوان المسلمين..

ويبقى بعد ذلك باقى خصومه السياسيين والمتمثلين في بقايا الحزب الوطنى والمدعومين من قبل رجال الأعمال وأعتقد أن هؤلاء سيسقطون وحدهم بمجرد القضاء على الخصوم الاقتصاديين، هذه هي دروس التاريخ يا سيادة الرئيس وهذه هي روشتة المواجهة والعلاج والتي تتطلب شجاعة نادرة، فمازالت هناك فرصة أخيرة للاستفادة منها، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

الجريدة الرسمية