رئيس التحرير
عصام كامل

سلاح لا يعرفه الرئيس!


ربما يثيــر العنوان قليلا من الدهشة، بل استنكار أن رئيسًا خرج من قلب العسكرية المصرية، لا يعرف كل أنواع الأسلحة! الرئيس بالقطع يعرف مواصفات وأسماء واستخدامات أسلحة كثيرة، لكنه لا يعرف سلاحًا اسمه الفن!


الرئيس يقدر الفنانين ويحترمهم ويحبهم، ومن المؤكد أن وجدانه تشكل مثل كل أبناء جيله بالأعمال العظيمة من مسرح إلى سينما إلى مسلسلات، لكنه في أدائه السياسي، وبعد أن صار رئيسًا، لم يبرهن الرئيس السيسي على أنه مولع بالفن مدرك نتائجه الكاسحة.

رؤساء مصر الذين يعتبرهم السيسي محظوظين، هما الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات، وكلاهما من الجيش المصري العظيم، ومعهما كان الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة الذي وضع الأساس السليم للبنية الثقافية المصرية، ولا تزال المنشآت والهيئات والأعمال التي عرفتها مصر في عهده رمزا لفهم عميق لأهمية الفن والثقافة.. أروع الأفلام وأروع الأغنيات والأناشيد الوطنية هي من إنتاج حقبة ناصر والسادات وجزء من حقبة الرئيس الأسبق حسني مبارك.. أروع وأعظم الأغنيات التي حركت الوطنية المصرية كانت نتاج الفترة التي مهدت لاختيار الفريق السيسي لقيادة الوطن... بعد ذلك.. فراغ.

فراغ وحسرة ونظرة إلى الماضي بعين غير القادر على استنساخه... كلا... ليس المطلوب إعادة النسخ لما تم نسخه واستهلاكه في كل العهود منذ الملك فاروق حتى مبارك.. بل المطلوب أن يأتي الرئيس بوزير ثقافة له رؤية وحمية وإدراك لأهمية الصناعة الثقافية.

نعم هي صناعة، وهي بيزنس، وهي وجدان.. ومع كل الاحترام لزميلنا حلمي النمنم، فإن الوضع يبدو محيطًا به وليس هو من يحيط به.. لن أتوسع في هذه النقطة إيثارًا لاحترامي الرجل، لكن الهم الثقافي الوطني هو هدفي، لا النيل من قدر أو قدرات أحد.

يعيش عصر السيسي على إنتاج الستينيات حتى التسعينيات.. والمطلوب الآن اتخاذ خطوات عملية لبناء جهة إنتاج شاملة، تنهض على قواعد علمية واقتصادية، تقدم الفن الراقي، تمول الأعمال التاريخية والعسكرية، مع تشكيل هيئة مستقلة لاختيار النصوص، وتركز على ما يوحد الأمة، وينمي الانتماء بين الشباب، ويجعل المواطنة القيمة الأولى في التعامل بين الناس.. 

ما زال جيلنا يحن ويعيش على أفلام الأبيض والأسود، وأفلام وا إسلاماه والناصر صلاح الدين والمماليك ورابعة العدوية.. وقتها كانت الدولة لا تبحث عن الربح السريع، بل تزرع الوطنية في النفوس وتعمل على تشكيل الوجدان وخلق التجانس بين عناصر المجتمع.

الرئيس يركز على انتقاد ممزوج بالتمنى وقدر من المرارات لإعلام يبدو منفصلا بأدائه عن المخاطر العديدة المحدقة بالوطن، يشعل الحرائق في الصدور، ويوفر البيئة العفنة لنمو فيروس الغل.. سينصلح حال الإعلام في إطار منظومة مخططة لأداء ثقافي يستهدف الحفاظ على سلامة الدولة وصحة المجتمع الوجدانية والعقلية.

الأجواء المسمومة الحالية هي من صنع إعلام عشوائي في الوطنية، دقيق التصويب في ضرب الوطنية.

الأجواء المسمومة الحالية يمكن مواجهتها من خلال نشر الفن الراقي مسرحًا وسينما وأغاني.. حالة البذاءة والتوحش والعدوانية سببها الأوحد جفاف الوجدان وقسوة المشاعر بل تحجرها.. الفن يرقق الأعصاب، ويستعيد للمجتمع فضيلة الحياء وتفضيل الآخر.

السلاح المفقود على مرمى يدك سيادة الريس.. استعمله.
الجريدة الرسمية