محمود تيمور يكتب: أحب كتبي إليّ
في مجلة "الهلال" عام 1947 كتب الأديب محمود تيمور - المتوفى في 25 أغسطس 1958 - مقالًا تحت عنوان "أحب كتبى إلى" قال فيه: «إن الكتب كفلذات الأكباد كل منها حبيب إلى النفس، موضع للرضا والاعتزاز، على أن الأبناء يختلفون في منازلهم من الآباء، ومهما قيل من أن الأب يشعر نحو أبنائه جميعًا بحب فياض، فإن الواقع يثبت أن هنالك من الأبناء من له مكانة من أبيه تفوق مكانة أخوته، وهذا يرجع إلى مميزات خاصة تميز هذا الابن وتجعل له المقام الملحوظ".
ولا تظن أن الابن الطيع الوديع الذي لاتحس له صوتًا ولا حركة هو الذي ينال أوفر العطف والتقدير من أبويه بل إني لأرى عكس ذلك أن الابن المتميز بشخصية قوية يحاول بها ألا يخضع الخضوع التام وألا يساير العرف بطاعة عمياء، وأن يحدث في المنزل نوعًا من الحركة والضجة ويدفع أبويه إلى مجادلته ومناقشته ومحاولة إقناعه هو الابن الذي يكسب من أبويه سخيًا من التقدير والإكبار.
فالكاتب حين يفكر مليًا أي كتبه أحب إليه وأيها امتاز بشخصية تعلي مكانته عنده فإنه يشعر بمزيد من الحب والإيثار لما أحدث من كتبه أكبر ضجة بما أثار حوله من خلاف في الرأي وتنازع في النقد والتقدير، فأثبت بذلك أن له شخصية ممتازة وأنه قد احتفظ لنفسه خطة جديدة يغاير بها مألوف العرف والاعتياد.
ولاريب عندي في أن أعمر الكتب بالثقافة هي التي لاتثير عاطفة من أي لون فشأنها كشأن ماهو مألوف من الموضوعات ومستقر من المسائل.
والناس ألوان في الذوق والفهم، فالعمل الجديد الطريف تختلف في قبوله الأذواق والأفهام لكل ألوان الناس المختلفة.
قصارى القول أن الخلاف على شيء برهان حيويته، وأن الإعجاب والسخط معًا دليل على أن الشيء الذي أثارهما ليس بالشيء التافه المبذول أو الأمر الهين المألوف الذي يقابل بالرضا العام.