رئيس التحرير
عصام كامل

دماء «دانة» تلعنكم.. النقل والمرور !


دانة.. حبيبة الله.. البريئة الجميلة.. لم تعد لبيتها كما تعودت.. لن تمر على المحال التي اعتادت رؤيتها في الذهاب والعودة ولن تقرأ عناوينها.. لن تلقى السلام على حارس العقار ولن تعد الأدوار في المصعد لتستعجل العودة للبيت.. لن تجري إلى دبدوبها الصغير وألعابها فور وصولها لبيتها.. دانة لم تعد بيننا.. كانت بين يدي أمها قبل لحظات من الحادث الأليم.. لتصبح بين يدي ربها في جنات النعيم ولتغادر دنيا الشقاء والأشقياء..


قبل أسابيع كتبنا هنا "دماء الطرق في رقبة النقل والداخلية" وقبلها مقالات عديدة كلها عن فوضى الطرق، غيرنا كتبوا وتحدثوا بالصوت والصورة في برامج إذاعية وتليفزيونية.. وقلنا إن بلطجة علنية تجري كل لحظة في طرق وشوارع مصر.. وهي تتم نهارا جهارا لا ضابط لها ولا رادع ولا رابط.. لا تحتاج إلى أكمنة ولا إلى كاميرات فسيارات الرعب العملاقة لا تلتزم علنا بـأي قوانين.. لا قديمه ولا جديدة.. لا في الحمولة ولا في السير في المكان المخصص لها ولا تلتزم بالسرعات المقررة.. الحجارة تنطلق من مقطوراتهم تؤذي سيارات.. البلطجة على سيارات الملاكي عيني عينك.. حتى طريق "الإسكندرية - القاهرة" الصحراوي يخالفون المرور عليه ولا يسيرون في الحارة المخصصة لهم ليفسدوا أهم ما يميز الطريق الذي تكلف الملايين..

في حادث دانة الجميلة وفي غيره يبدو أصحاب سيارات النقل كأنهم في أمان كامل من العقاب.. فلو بعضهم أو عدد منهم عوقبوا لأي مخالفة من المخالفات المذكورة لاختفت المخالفات بعد فترة.. لكن "شدة غربال" إدارات المرور تتم بعد الحوادث الكبيرة وذلك لتهدئة الرأي العام ولا نعرف بلدًا لتطبيق القانون فيه مناسبات ومواسم !

بل يتعلق الأمر كله فيها بفحص مخالفات تعاطي المخدرات أما باقي المخالفات العلنية فلا أحد يهتم بها.. ولذلك تتكرر الحوادث وتغيب دولة القانون تمامًا وتعج الطرق بالفوضى.. حتى أن دانة دفعت حياتها بين سيارتي نقل إحداهما كانت تقف بعرض الطريق بالمخالفة للقواعد والأخرى كانت مسرعة من الخلف وكلا السيارتين تخالف التعليمات أصلا، فالحادث تم في نطاق مدينة نصر وعند الرابعة عصرًا، ولكن لا أحد يستوقف سيارات النقل في المدن ليطبق عليها القانون ويسألهم كيف دخلوا المدن في توقيت يحظر فيه دخول أو مرور سيارات النقل!!

للأسف لن تعود "دانة" إلينا.. ولن تجف دموع أمها.. فسوف تراها في كل لحظة.. ستراها في الشارع وفي المدرسة.. على صور الجدران وفي الألبومات الخاصة.. ستراها في شقيقتها التي نجت بأعجوبة.. وستراها عندما ترى زميلاتها وجيرانها ممن اعتادت اللعب معهم.. وعند كل عودة من العمل كانت تمر لتصطحب "دانة" معها إلى البيت..

ستتذكرها كلما مررت من الطريق ذاته.. وستتذكرها مع كل زفة عروسة ومع كل حفل تخرج ومع كل زغرودة في أي مكان.. فلا يشرب المر في مثل هذه المآسي إلا المعلقون بفلذات أكبادهم برباط الدم.. أما أولئك الذين لا يجيدون إلا "الهمبكة" أمام الشاشات.. ولا يعنيهم إلا رفع تذكرة المترو ومعايرة المصريين بما يقدمونه لهم وكأنهم من بلد آخر بينما يتركون الموت على الطرق في إهمال مجرم.. وآخرون وكل شطارتهم في تحصيل الغرامات أو البحث عن الرخص المنتهية ويتركون الفوضى في كل مكان.. فقد حقت عليهم جميعًا لعنة "دانة".. ولعنة الدم البريء لها جنودها المجندة.. فاحذروها..

رحم الله دانة..وربط الله على قلب أمها.. وألهم أسرتها الصبر ولا حول ولا قوة إلا بالله!
الجريدة الرسمية