رئيس التحرير
عصام كامل

زمن سامح شكري


ذات مرة ألقى وزير الخارجية السفير سامح شكرى ميكروفون فضائية "الجزيرة" على الأرض، ساعتها انبرت بعض الأقلام تمدح فعلة الوزير، لدرجة أن أحدهم وصف شكري بـ"أسد الدبلوماسية المصرية"، هكذا مرة واحدة ودون مقدمات، بلا أي خجل أصبح الوزير أسدًا للدبلوماسية المصرية، التي أنجبت أبطالًا ومجاهدين ومقاتلين، لا يذكر اسم سامح إذا ما ذكروا، ساعتها قلت إن التصرف مراهقة دبلوماسية، وساعتها قلت إن الوزير شغل نفسه بما لا يجب أن ينشغل به وزير خارجية مصر، وساعتها قلت إن ما فعله الوزير هو منح أقزام الشعور بالقوة.


الوزير نفسه كرر التصرف المراهق في رده على مجلة "الإيكونوميست"، عندما كال لها بالباع والدراع، عندما ذكرني وغيري بمصطلحات مصرية خالصة، مثل الفئة المندسة، والطرف الثالث، وقوى الشر، والإعلام المتآمر، وصولا إلى سفاح المعادي الذي لا نعرف عنه شيئًا حتى تاريخه، مرورًا طبعًا بالفلول الذين أصبحوا بين يوم وليلة في عين الكاميرا وعلى الشاشة ليل نهار.

تذكرت الحاقدين والمغرضين والحاسدين والمتآمرين، تذكرت أن مصر تتعرض لمؤامرة منذ الخليقة، تتعرض لذلك وحدها، حتى لو لم يكن هناك مخططون ومتآمرون، هي كذلك بالفطرة والخلقة، بالنشأة، بالمولد أو بالتبني، العالم كله يتآمر علينا، وضمن هذا العالم مجلة "الإيكونوميست" التي خطط محرروها بليل؛ لينالوا من عزائمنا، ومن تجربتنا، ومن التفافنا حول بعضنا البعض.

ونال الوزير دون سند من المعلومات أو الحقائق، أو الدراسات من المجلة، التي لها في ضمير المجتمع الاقتصادى وازع كبير، وظن أنه بفعلته إنما سيقلل من قراء المجلة، وقد يهددها في رزقها ورزق محرريها.. تصور الوزير أن إطلاق جملة من مصطلحات الزفة البلدى والكيد "الحيانى" سيجعل القراء يحاصرون المجلة، وأن متابعيها سيفقدون الثقة فيها، وسيعلنون مقاطعتها، مثلما حاول البعض إعلان مقاطعة الصحافة المصرية؛ لأن أبناءها رفضوا إهانة نقابتهم.

ما أن انتهى الوزير المصري من بيانه اللوزعي حتى انفجر العالم الخارجي ضحكًا، وظل الحال على ما هو عليه، من وصلتهم الرسالة هم رجال المال والأعمال وصناع السياسة، ظلت صورتنا كما جاءت على صفحات المجلة، الذي زاد أن الناس "فطست" من الضحك على الدبلوماسية المصرية التي علَّمت العالم كيف تدار المعارك من قديم الزمان.. منذ معارك الاستقلال، وقبلها بسنوات، وحتى معركة السلام، وما قدمته للبشرية من نماذج رفعت لها القبعات شرفًا واعترافًا ببطولاتها الفذة.

لم يكن لدى الوزير وقت ليستدعي فريقًا من خبرائنا ليعدوا ردًا شافيًا وافيًا، ولماذا يفعل ذلك، وقد أصبح أسدًا في"رمية ميكروفون"؟ لماذا يفعل ذلك ولسان حال سيادته يقول "هما بقين.. ثلاثة" والكل يلزم داره، وتعترف المجلة بخطاياها ودعمها "الإخوان"، وانتماء بعض محرريها لقوى الشر، وارتباطها اقتصاديًا بعصابة الأسطورة، وارتمائها في أحضان عنتيل المحلة، وصلاتها الوثيقة بجماعة داعش، التي تختطف المصريين في "سرت".

الذي حدث أن المجلة لا تزال تصر على المضي قدمًا في غيِّها، وجبروتها، وعتهها، رغم البيان الأسطوري للوزير الأسد سامح شكري.. الذي حصل أن أحدًا منا لم يكلف نفسه عناء الرد المنطقي؛ ليكسب أرضًا أضاعتها علينا تقارير المجلة.. ليدفع عنا ما يتصــور أنه غيــر منطقى، وغير مطابق للواقع، وبدلا من أن نستفيد بالرد منحنا الاتهامات مسوغًا للثقة والتصديق، وظل الوزير كما هو وزيــرًا.. بل ليس وزيرًا عاديًا فقد يضاف إلى ألقابه «الوزير الفهد» !
الجريدة الرسمية