حكاوي أمي ودموع صديقي!
هناك فارق كبير في الحديث عن أحوال البلد مع أمي في صعيد مصر، ومع أصدقائي.. فالبساطة والنظرة التفاؤلية والتلقائية تكون هي محور الحديث مع أمي، والعمق والنقاش والنظرة المتشائمة هي أساس الحوار مع الأصدقاء.
سألت أمي.. احكي لي وفهميني يا ست الكل عن موضوع التموين والعيش (الخبز) المدعم.. وراحت أمي تشرح لي بالتفصيل الممل الموضوع من أول ما كنا لازم نجيب "واسطة ومعرفة" علشان نجيب العيش من الفرن حتى ما وصل إليه الوضع الآن من خلال كروت العيش.. نفس الوضع حكت لي قصة التموين والسلع اللي ببلاش واللي بفلوس، وشاركنا في الحوار شقيقي اللي هو صديقي الشيخ عمرو واتفقا الاثنان على أن الوضع الحالي بالنسبة لهذين الموضوعين أفضل بمراحل عما كان في السابق، بل وقامت والدتي بالدعاء لمن كان سببا في ذلك لكونها ارتاحت في حاجات كتير على حد وصفها.. وعندما سألتها عن أنبوبة البوتاجاز كان ردها السريع:" مش لاقيين حد ياخدها منهم ومتوفرة على طول".
من يسمع حكاوي أمي البسيطة لا يشعر بوجود أزمة.. وبالطبع حكاوي أمي لا يعرف عنها النخبة السياسية وإعلاميو الطبلة أي شيء.. فهم من طبقة الأغنياء الذين ليس لهم أي علاقة ببطاقة التموين أو كارت العيش..
على النقيض تماما تكون فترة المساء وهي موعد الجلوس مع الأصدقاء.. فهي فترة التشاؤم والنقاش العميق والآراء المختلفة والبحث في أحوال البلد من زوايا مختلفة.. فمنهم فريق النقد باستمرار وفريق التبرير المتواصل وفريق البحث عن الحقيقية.. ولكن ما يسعدني داخليا هو أن الفرق الثلاثة لا تبحث إلا عن مصلحة البلد.
وفي أحد النقاشات الساخنة بين فريق النقد وفريق التبرير خرج علينا صديقنا أسامة الأزرق بدموع الإنسان البريء.. دموع مفاجئة خطفتنا جميعا عندما كان يتحدث عن إحدى السيدات وابنتها التي كانت مترددة في شراء كيس شيبسي بــ 50 قرشا بسبب استلامها معاش الشهر "ناقص" 20 جنيها ورغبتها في أن يمر الشهر عليها بسلام وأمان بدون أزمات يمكن أن يسببها "نص جنيه" ثمن الشيبسي.
ما بين حكاوي أمي البسيطة البعيدة عن الكلام الكبير بتاع النخبة الفاشلة في مصر وبين دموع صديقي أسامة يتضح أن شعب مصر كان ومازال وسيظل يعاني.. والمشكلات لن تنتهي.. والنظرة التفاؤلية موجودة.. والنقد لن يتوقف.. والسلبيات لن تنتهي!!
كنت مبسوطا جدا وأنا بسمع أمي بتحكي لي تفاصيل التفاصيل.. وأكثر انبساطا وأنا أشاهد أصدقائي المحترمين المثقفين في جدال هادئ وعنيف حول أحوال ومشكلات مصر.. فأمي تحب بلدها وتدعو لمن خفف عليها متاعب الحصول على العيش والتموين والأنبوبة.. وأصدقائي يحبون بلدهم ويأملون في أن تبقي أفضل وأفضل حتى لو اختلفوا في وجهات النظر..
إذن الرغبة واحدة بين أمي البسيطة غير المثقفة، وأصدقائي الذين أتشرف بهم.. وهذا هو الأهم بالنسبة لي– الرغبة والهدف واحد!