رئيس التحرير
عصام كامل

عصفور بقلب أبيض..بشير عياد نموذجا !


الموت يغيب الجسد، ويبقى منا ما أعطى للإنسانية ولوطنه وبقدر عطائه يبقى حيا أو يلحق بالجسد وتفنى سيرته وماتركه مثل جسده، لا أعرف من أين أبدأ في الحديث عن الصديق الراحل بشير عياد، الذي عرفته منذ مايقرب من خمسة عشر عاما، وكلما ابتعدنا كنا نقترب أكثر، وكانت الفترة قبل أن توافيه المنية أقرب فترات صداقتنا.


والحقيقة أن من هم مثل بشيرعياد لا يمكن أن تكون ذكراه مجرد التذكير بمواقفه الإنسانية، وأدبه وأخلاقه وعلاقاته الطيبة...إلخ، كل هذا جميل، ولكن بشير عياد نموذجا يجب أن نقدمه للشباب للتعلم والاستفادة من حياته وعطائه، نموذجا حقق نفسه بعرق وجهد وكفاح دون تذكرة واسطة من أحد، وعندما جاء للقاهرة كان بقرار وإرادة وليس مجرد نزوة لإنسان يريد الحياة وسط أضواء القاهرة وصخبها، ولكن جاء ليحقق ما لم يحققه الكثير ممن كانت الأضواء ومحاولات الزيف لفرضهم على الساحة، ولكن يظل الألماس كما هو ويزداد قيمة حتى لو حاول البعض إخفاء لمعانه، هكذا كان بشيرعياد الذي أعتبره حالة مصرية نادرة، كما اعتبرته نموذجا للمثقف الحقيقى بلا زيف، أذكر في عام 75-76 أني رأيت الشاعر الراحل الكبير نجيب سرور فى أتيليه القاهرة، وبالرغم من تدهور حالته الصحية إلا أنه كان مدهشا في كلامه وثقافته الموسوعية، أيضا في عام 76-77 رأيت لأول مرة الشاعر أمل دنقل أيضا فى أتيليه القاهرة مع نخبة من المثقفين معظمهم من الفنانين التشكيليين، وعلى رأسهم الفنان الراحل د.عباس شهدى أول نقيب للتشكيليين، د. محمد طه حسين، د.سامى رافع، د.صبرى السيد، د.صالح رضا وغيرهم كثيرين، ويومها انبهرت بثقافة الشاعر أمل دنقل مثلما انبهرت بثقافة الشاعر نجيب سرور، وكان عندما يتكلم أي منهم يصمت الجميع، وكأن بشير عياد يكمل المثلث لدى ويعتبر امتدادا لهذين العملاقين، ولكم هذه الواقعة، عرضت عليه قضاء ليلة نوبية يكون هو المتحدث فيها، رحب جدا ولم أكن أعرف أي شيء، هل له علاقة بالنوبة أم لا، ولكن قلت سنتحدث عن قضايا النوبة ومشكلات أهلنا هناك..!؟

وكانت المفاجأة لى وللجميع أن بشير يحفظ تاريخ النوبة عن ظهر قلب، ولم ينقصه سوى "الرطن" أي أن يتكلم باللغة النوبية كما يقول أهلنا، ولن أكون مبالغا، فقد فاجأ الكثير منهم بمعلومات عن النوبة لايعرفونها، وكشف عن علاقته وصداقته بالراحل المطرب العالمى المصرى النوبى علاء الدين حمزة، وقصة اللقاء الأول معه في مجلة كاريكاتير، ويومها وجد علاء حمزة ورقة مكتوب عليها كلمات فأخذها وبدون سابق معرفة مع بشير، وقال علاء: هذه كلمات سأغنيها..!

فسأله بشير: انت مين أساسا ؟؟!

قال: أنا علاء الدين حمزة..!

فرحب به.. ويكمل بشير قائلا: الكلمات التي شاهدها علاء كانت مجرد مشروع كلمات لم يتحدد معالمه، كنت بقول فيها: أنا عصفور..بقلب أبيض..وألف لسان.

أطير على الكون.. أغني للسلام، للحب، للإنسان..في كل مكان..أطير فرحان..في أي مكان..! وأكملها بشير ليطوف بها علاء حمزة العالم يغنى للحرية والحب والسلام بكلمات العبقرى بشير عياد.

الخميس الماضى وتحت رعاية جريدة فيتو ورئيس تحريرها الكاتب الصحفى عصام كامل الصديق ليس لبشير عياد ولكن للجميع، تم إحياء الذكرى الأولى لغيابه في نقابة الصحفيين، وبعيدا عن التغطية للحدث، أود الإشارة إلى اثنين من المتحدثين، الأول هو صديق عمره د.عيد بلبع الذي تحدث عن مدى ارتباطه بالراحل بشير، والشخصية الثانية هو الطبيب الإنسان د.محمد إبراهيم الذي وضح تواضعه الشديد وحبه لبشير، ولكن اخترت الإشارة إليه لأن بشير تحدث معى عنه كثيرا، وكان بشير يشير إلى إنسانية د.محمدابراهيم للدرجة التي جعلته يقول: لو أننى ابنه من صلبه ما كان سيرعانى بمثل هذه الأبوة والحنان!

ويضيف بشير أنه في أحد المرات أجرى تحاليل وعاد للبيت وقضى ليلته بشكل طبيعى ونام، فإذا بمن يوقظه في ساعة مبكرة، ويجد على الطرف الآخر د.محمد إبراهيم فرحا سعيدا بسلبية التحاليل! فسأله بعفوية بشير: طيب إيه صحاك بدرى يادكتور؟ كانت إجابة الطبيب الإنسان: أنا لم أنم من الأمس حتى أطمئن عليك!

للعلم صديقى القارىء أن هذا البشير عندما داهمه المرض لم يبتعد عن الكتابة، وكان يحكى أنه كان يكتب جزءًا من المقال ثم يذهب في غيبوبة، وعندما يفيق يكمل المقال، الأمر الأهم من هذا كله لابد من العودة إلى قراءة بشير عياد الكاتب الساخر والشاعر والمثقف الواعى لقضايا وطنه،لابد أن نقدمه نموذجا للشباب ليتعلم منه!
رحم الله بشير عياد الذي قال في ثورة الشعب المصري: الشعب قال كلمته..ردد صداها الكون!
الجريدة الرسمية