رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا لا يصدق الناس بيان الرئاسة؟ !


لا الرئيس هو الخديو إسماعيل المبذر، باني مصر الأوروبية، ولا هو التركي أردوغان المتآمر عليها حاليا.. هو عبد الفتاح السيسي.. تتكالب عليه الذئاب لتنهش الوطن وهو يتحسب يمينا ويسارا، فذا بالخونة من الداخل جيوشا للأجانب..


لا أطلب بالطبع أن يفعل الرئيس السيسي ما فعله ويفعله طاغية تركيا رجب طيب أردوغان، فالرئيس عبد الفتاح السيسي لا يتسابق مع ديكتاتور في الأخذ بأساليب القمع.

لقد اعتقل الرئيس التركي 40 ألفا وشرد عشرات الألوف من الجيش والشرطة والمعلمين والإعلاميين والصحفيين، وتحدى الاتحاد الأوروبي، وساوم الأوروبيين على تفعيل اتفاق قبول اللاجئين المسلمين مقابل منح التأشيرة تلقائيا للأتراك لدخول القارة الأوروبية، وتحدى أمريكا وارتمى تحت قدمي روسيا، وتحالف مع إيران، ولم يتحسب لأي رد فعل ولا همه منظمات حقوق الإنسان ولا الحيوان.. كل ما كان يهمه هو نظام حكمه، واستمراره في الحكم.. ونحن بالطبع وبالقطع، لدينا رئيس، ليس كهذا الرجل لكنه للأسف رئيس كلما كلما أقدم على خطوة، اعترضه الفلاسفة والجهابذة، وأمطروه بالأكاذيب والشائعات وهو باله طويل حتى ضج الناس.

قبضة رئيس الدولة ليست بالقوة الكافية والصوت الحنون يفسره الخونة والبقر التابع لهم تفسيرا مختلفا، ويرونه ضعفا، ويمكن القول إن أهل الشر الذين يحذر الرئيس منهم طول الوقت يواصلون بث الشائعات والسموم من داخل مواقعهم في كل مفاصل الدولة، ولابد من تطهير مصر من هؤلاء الخونة، وهذا هو الاسم والوصف الحقيقي.. كل يوم أكذوبة وكل ساعة شائعة، ومسلسل متصل بلا نهاية عنوانه التشكيك.

الذي يحدث بالضبط، متزامنًا مع عمليات الإرهاب هو وضع الدولة بحكومتها ورئيسها على كرسي التفسير والتبرير والتوضيح ٢٤ ساعة يوميا، بحيث يتشتت جهد الدولة، وحكامها، وينهمكون في الدفاع عن كل ما يفعلونه أو حتى ما لم يفعلوه ! الذي يفعلونه ربما يستحق النقد الوطني المخلص، لكن ما لم تفعله الدولة هو ما يتلقفه البقر مع الخرفان من الإخوان !

البقر ؟!
نعم البقر.. الفصيل الغبي الموازي للخرفان، ينساق معهم بحسن نية أو عمدا أو لأنه بقرة.. بدأ الأسبوع بهجوم الإيكونوميست البريطانية، وانتصف بهجوم بلومبرج، وفي نهايته انطلق من صحيفة "لا تربيون" الفرنسية خبر شراء الرئاسة ٤ طائرات فالكون إكس ٧، بـــ٣٠٠ مليون يورو، من شركة داسو الفرنسية المصنعة للرافال العسكرية، والتي سبق أن تعاقدت عليها مصر واستلمت بالفعل عددًا منها ( وفالكون إكس ٧ هي نفاثة تصلح لرجال الأعمال، وهي ذات مقصورة كبيرة، وتستخدم مدنيا وعسكريا وثمن الطائرة ٥٢ مليون دولار بأسعار ٢٠٠٨ وفق موسوعة ويكيبيديا).. مغزى الخبر وخطورته الداخلية هو نشره في وقت تقترض فيه الدولة المصرية ١٢ مليار دولار بشروط صندوق النقد الدولي، وترفع الدعم تدريجيا وبحساب ضمن خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي.. وما يفاقم من مرارته خبر شراء طائرات لخدمة الرئاسة!

اشتعلت المواقع الإخبارية نقلا عن الصحيفة الفرنسية، ومنها إلى صفحات الهري الاجتماعى، وارتبكت حسابات الكثيرين، ممن يثقون في حكمة الرئيس والحكومة، خصوصًا والظرف الاقتصادي ضاغط وعاصر، ومضي وقت طويل طويل قبل أن تبلغ الأقاويل سمع الدولة، فخرجت الرئاسة تنفي، وهو نفي جاء متأخرًا، وغير شاف، ولم يشفع للساخرين والمتشككين، ونجح هؤلاء في تحريك فريق من المؤيدين والواثقين في أن لهذه الحكومة عقلا ورشدا، ونقلهم إلى خانة المحبطين.. استمر النقد الساخن واستمرت الشماتة، وبعد يومين خرجت داسو الفرنسية ببيان تنفي فيه تعاقد الدولة المصرية على صنع الطائرات الأربع، وعبرت الشركة عن اعتزازها بتاريخ من التعاون مع القوات المسلحة المصرية.. رغم البيان، مضى المشككون والحائرون والمرتبكون في التعليق، كأن داسو لم تنف.

لماذا يرفض الناس نفي الرئاسة؟، وهل حقا سبق للشركة أن أذاعت خبر التعاقد الذي استندت إليه الصحيفة الفرنسية ؟ هل نجحت جزئيا حرب تدمير جسور الثقة بين النظام والشعب ؟

من العقل الاعتراف بأن كتائب التشكيك تستثمر الأجواء المعادية للحكومة بسبب إجراءات رفع الأسعار، فضلا عن رخاوة هذه الحكومة في مواجهة التجار اللصوص، والمتاجرين بأقوات الشعب.

لم تنشر إذًا الصحيفة الفرنسية بيان داسو الأول ردا على بيانها الثاني، وهذا يضع بدوره فرضية تضارب في المواقف، ربما يخدم موقف الحكومة لو كانت تورطت في الشراء لأغراض لا نعرفها، لكنه من المؤكد يغذي أجواء عدم الثقة، واستدعاء صورة الخديو إسماعيل إلى الأذهان، رغم الفارق الهائل !

لا وقت يجب إهداره في التأمل والاجترار، وهو ما فعلته الدولة قبل أن ترد، فلما ردت، جاء الرد بعد اشتعال القال والقيل.. وسط هذا كله لم يعد الخرفان أبقار كثيرة ساقوها إلى حظائرهم.

الرئيس بحاجة لمخ إعلامي بعيد النظر، يساعده، حتى لا يضطر رئيس البلاد إلى ترك عمله الرئيس والانصراف إلى الرد على كل صغيرة وكبيرة، وأتصور مخلصًا أنه يجب على داسو والدولة أن يعيدا إعلان الحقيقة !
الجريدة الرسمية