خطاب من البنك الدولي يهدد مشروعات السيسي القومية.. مخطط إحراج الرئيس بـ«الرى الحقلي».. مسئول البنك الدولي للمسئولين عن المشروع: حكومتكم ستتحمل تسديد نفقات الأعمال غير المطابقة
هل هناك من يدير الأمور عكس ما تريده القيادة السياسية؟.. هل تسعى بعض القيادات التي استعان بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، لإسقاط الرئيس في "فخ الفشل"؟.. وأخيرا.. لمصلحة من تدار الأمور في وزارة الزراعة؟
ثلاثة أسئلة.. الإجابة عنها من الممكن أن تكون كلمة واحدة "الفساد".. لكنها لن تكون إجابة نموذجية، لأنها ستختصر مئات الوقائع التي تشير – بما لايدع مجالا للشك- إلى أن هناك أطرافا بعينها في مصر لا تريد للبلاد اللحاق بقطار التنمية، لأنها تدرك أن مصيرها سيكون تحت العجلات، وليس فوق مقاعد القطار الفاخرة.
وزارة الزراعة، التي تأبي أن تتزحزح عن المرتبة الأولى بين الوزارة المثيرة للشكوك، على موعد خلال الأيام المقبلة مع فضيحة من العيار الثقيل، من الممكن أن "تطير رءوس" كثيرة فيها.
"وحدة الري الحقلى".. المسئولة عن واحد من أكبر وأهم المشروعت القومية التي وضعها الرئيس عبد الفتاح السيسي كأحد أحلام التنمية في المستقبل لتوفير نحو 10 مليارات متر مكعب من المياه بتطوير نظم الرى في 5 ملايين فدان بالدلتا والصعيد.. هي كلمة السر في القضية، حيث حصلت "فيتو" على نسخة من حافظة مستندات تقدم بها الدكتور سعيد خليل، مستشار وزير الزراعة المستقيل، في مذكرته إلى اللواء عصام سعد إبراهيم مدير الإدارة العامة للأموال العامة خلال فترة وجوده في منصبه بوارة الزراعة، كشف فيها بما أرفقه معها من مستندات الحالة التي وصلت إليها وحدة "الري الحقلى".
"خليل" بدأ مذكرته بالإشارة إلى أنه بناء على تكليف من وزير الزراعة عصام فايد على مواقع مشروع الرى الحقلى في يومى 11 و14 مايو 2016، رفع لوزير الزراعة تقريرا -لم يعرض عليه- طالب فيه بضرورة تشكيل لجنة استشارية لتصحيح الأخطاء، ووقف صرف أي مستخلصات مالية للشركات المنفذة للمشروع.
وشملت المستندات المرفقة مع المذكرة صورة خطاب مترجم من الإنجليزية إلى العربية موجه من الدكتور بيكلى ديبلى، كبير خبراء الموارد المائية في البنك الدولى إلى الدكتور سمير أبو سليمان رئيس وحدة الرى الحقلى بوارة الزراعة، أكد فيه "ديبلى" أنه طبقا لما تمت مناقشته من قبل فإنه يجب تسليط الضوء على بعض الموضوعات الحرجة والخطيرة، والمتمثلة في تأكيد البنك الدولى لوحدة الرى الحقلى على الحاجة إلى وجود مراقبة فنية ومراقبة جودة لأعمال المشروع، والذي يتضمن تأسيس لجنة فنية تضم موظفين معنيين من وزارتى الزراعة والرى، بالإضافة إلى الاستعانة بفريق تفتيش وفريق مراقبة للجودة مستقلين.
في الخطاب ذاته، أوضح كبير خبراء الموارد المائية في البنك الدولى أنه "مع الأسف ونتيجة عدم التعاون بين الوزارتين بخصوص المشروع بات غير ممكن تأسيس لجنة فنية بإمكانيات فنية مناسبة، علاوة على ذلك فشل الحصول على مؤسسة مستقلة لمراقبة الجودة في اللحظات الأخيرة، وتم اتخاذ قرار في أكتوبر 2005 بتعيين استشاريين مستقلين للمساعدة في الإشراف ومراقبة الجودة للأعمال القائمة حتى يتم التوصل إلى حل دائم، حيث تقرر تعيين 18 استشاريا مستقلا استقال نصفهم وهو أمر مؤسف علمًا بأن الوضع القائم في المشروع في أمس الحاجة إليهم في هذا التوقيت.
" بيكلى" أكد أيضا أنه بدون توافر مراقبة لجودة مناسبة ومستقلة للمشروع يتم تعريض السلامة العامة للمشروع واستمرار استدامة للخطر، ولذلك فإن وحدة الرى الحقلى تحتاج لسد وملء الفراغات، ويشمل ذلك إضافة موظفين لضمان وجود قدرة لمراقبة الجودة ومناسبة على أرض الواقع، للتأكد من إتمام الأعمال مع مراقبة الجودة والإشراف اللازم.
وتابع كبير خبراء الموارد المائية في البنك الدولى، في نقطة أخرى بالخطاب موضحا أنه "رغم التوصيات المتكررة بأن تكون هناك مراقبة جودة قبل التقدم في أعمال أخرى على أرض الواقع، وأنه هناك 20% من الأعمال تم استكمالها قبل وصول فريق مراقبة الجودة نرجو أن تكون وحدة الرى الحقلى لديها طاقم العاملين في مراقبة الجودة الخاص بها لإتمام الأعمال المشار إليها من أجل الاتفاق على الأعمال التي استكملت قبل وصول فريق مراقبة الجودة المستقل من قرض البنك الدولى، غير أنه تم الاتفاق على تعيين مفتش فنى بموافقة وقبول البنك الدولى لمراجعة كل العملية التنفيذية والتأكد من أن جودتها جيدة ومقبولة، ويشمل ذلك اختبار الضغط طبقا للمواصفات المصرية والدولية بدون التأكيد من تقرير المراقبة على الجودة من أن جودة الأعمال التي تم إنجازها تمت طبقا للمواصفات ومن أن جودة الأعمال مقبولة.
في الخطاب ذاته.. حذر "بيكلى" من أن البنك الدولى لن يدفع أية مبالغ للأعمال التم تم إنجازها، قبل وصول فريق من مراقبة الجودة، مشددا – في الوقت ذاته- أنه في حالة ما إذا تم دفع تلك المبالغ الخاصة بهذه الأعمال بالفعل؛ فبرجاء العلم أن الحكومة المصرية ستكون ملزمة برد المبالغ التي تم دفعها على الأعمال ذات المستوى المتدنى الجودة للبنك الدولى، وفى تلك الحالة على الحكومة أن تتحمل قيمة العقود التي أبرمتموها.
كما انتقد مسئول البنك الدولى، في خطابه أسلوب تنفيذ المشروع، حيث لفت إلى توجيهه أكثر من مرة إلى ضرورة عمل فرش من الرمال في الأماكن ذات التربة الطينية أسفل الأنابيب، وتسويتها قبل تثبيتها لضمان جودة التنفيذ، كاشفا أن لجان البنك الدولى وجدت الأمر مغايرا على أرض الواقع، حيث تبين أن الأنابيب تم وضعها دون تسوية الرمال، كما تم استخدام "قش الأرز والطوب الصخري وكتل طينية" في عملية الردم، وهذا غير مقبول ولا يتفق مع معايير الجودة المطلوبة.
المسئول الدولى، كشف في الخطاب ذاته أن البنك لن يسدد أية مبالغ مالية للأعمال التي لم تحصل على موافقة فريق الجودة المستقل، ولم تجر عليها اختبارات الضغط.
"بيكلى" انتقد أيضا أعمال الكهرباء في المشروع، وأكد البنك في الخطاب أنه أوضح في مناسبات عديدة أنه من المنظور الإداري لتدبير المياه لضمان سلامة استهلاكها يلزم أن تكون هناك عدادات مثبتة على مستوى المساقى، علما بأن هذا النظام معمول به في مشروع آخر ممول عن طريق البنك الدولى الذي يلح على وحدة مشروع الرى الحقلى بضرورة ضمان وجود عدادات آلية مثبتة على مستوى المساقى.
أزمة مخالفات "وحدة الري الحقلى" لم تتوقف عند حد خطاب مسئول البنك الدولى، وهو أمر كشفته المذكرة المقدمة من إبراهيم زكى الحايس، الاستشاري الذي قدم استقالته من المشروع، والتي تعبر عن موقف التسعة استشاريين الذين قدموا استقالاتهم أيضا من المشروع ذاته، والتي تم رفعها إلى وزير الزراعة الدكتور عصام فايد، حيث أكدوا أن استقالاتهم من عملهم كفريق مهندسين مستقل للإشراف على أعمال الجودة بالمشروع المنفذة من قبل المقاولي،ن جاءت بسبب تدنى جودة الأعمال المنفذة ومخالفاتها للمواصفات المطلوبة طبقا للتقارير الفنية الخاصة بهم، نتيجة تدخل المسئولين في وحدة الرى الحقلى في أعمالهم المهنية التخصصية، بالمخالفة للقانون والعقد ما نتج عنه عدم استجابة المقاولين لتعليمات فريق الجودة المتكررة، بضرورة الالتزام بالعقد والمواصفات.
المذكرة ذاتها، أكدت أيضا أن المقاولون تعمدوا مخالفة تعليماتهم بدعم من مدير الوحدة، وهو ما دفعهم لتقديم استقالات مسببة لعلها تردع الوحدة عن المخالفات المتكررة، وهو ما قالته الوحدة بمنعهم فورا عن العمل وبطريقة غير قانونية، نظرا لعدم تسليمهم رسميا ما يفيد قبول استقالتهم أو رفضها، وعدم إجراء تحقيق رسمى في الأسباب التي دفعتهم لتقديمها، وعدم إبلاغ البنك الدولى بشأنها ما دفع مسئوليه لمطالبتهم بالعودة للعمل مرة أخرى، بعدما وصلت إليهم أنباء الاستقالة.
مذكرة "الاستشاريين" أوضحوا خلالها أيضا أن "رئيس وحدة الرى الحقلى الدكتور سمير أبو سليمان تحايل على قرار البنك الدولى بعودتهم للعمل، عن طريق تعيين مهندسين آخرين دون اتخاذ الإجراءات المطلوبة والمتبعة، فمن حيث موافقة البنك عمل الإعلان والتقييم الفنى واعتماد البنك، إلى جانب تعاقد الوحدة مع المهندسين الجدد من خلال إجراءات تعيينهم وصرف رواتبهم طبقا لموافقات البنك الدولى.
نص الاستقالات المسببة، كشف أيضا أن العناصر التي يتم استخدامها في تنفيذ الأعمال المطلوبة لم يتم إجراء الاختبارات عليها رغم تكرار الطلب، هذا بجانب أن الشركات المنفذة تستخدم وسائل بدائية في التنفيذ،كالخلط اليدوى للخرسانة وبنسب خلط مخالفة للنسب التي نصت عليها التعاقدات، إلى جانب تجاهلها إجراء اختبارات ضغط على مكعبات يتم أخذها من الموقع، وكذلك عدم استخدام ادوات فرم لصب الخرسانة أو وسائل مناسبة لعملية "دمك التربة "، وتركيب المواسير والقطع الخاصة بالمشروع بطرق غير مقبولة كتسخين المواسير، ما يسبب تغيرات فيزيائية وكيميائية تؤثر على كفاءة المواسير وعمرها الافتراضى.
الأزمة يبدو أنها لن تتوقف عند حد خطاب المسئول الدولى، الذي كشف الأزمات داخل وحدة الري الحقلى، أو السلبيات التي كشفتها الاستقالة المسببة التي تقدم بها الاستشاريون العشرة إلى وزير الزراعة، حيث تمتلك "فيتو" أيضا قائمة بمستندات تظهر كوارث التركيب والتنفيذ في مواقع المشروع، والتي رصدها المستشار السابق لوزير الزراعة خلال زيارته لمراكز "سيدى سالم وقلين وبيلا والرياض ودسوق" في محافظة كفر الشيخ.
ولفت "خليل" في تقرير رفعه إلى مكتب وزير الزراعة النظر إلى أن الشركات والمقاولين العاملين في المشروع غير مصنفين طبقا لشهادات الجودة، موضحا في الوقت ذاته أنه تم صرف الكثير من المستحقات لإحدى الشركات وتم صرف مستخلصات كاملة منها مستخلص عن عملية تنفيذ المأخذ وغرف المراوى وتركيب الطلمبات التي تدار بالطاقة الكهربائية ومحابس فراشة على ترعة منشأة عباس بكفر الشيخ بمبلغ 3 ملايين و749 ألف جنيه و716 جنيها دون تسليم شهادات جودة نهائيا، مشيرا أيضا إلى أن كل الأعمال التي تنفيذها لاتصلح وبها عيوب خطيرة جدا وذلك بالمعاينة على أرض الواقع وتم صرف مبلغ ستة ملايين و150 ألف جنيه و855 جنيها لنفس الشركة لتنفيذ عمليات تعديل المأخذ وغرف المراوى وتوريد وتركيب الطلمبات الكهربائية ومحابس الفرشة لتطوير المراوى على ترعة منشأة عباس بدون استلام أي شهادات جودة من المستشارين التابعين لبنك الدولى.
تجدر الإشارة هنا إلى أن ما تم عرضه في الفقرات السابقة يؤكد تفكير الحكومة خلال الأشهر القليلة الماضية في سحب مشروع الرى الحقلى من وزارة الزراعة بعد الإخفاقات الكثيرة فيه، كما اجتمع الرئيس على أثر ذلك أكثر من مرة بالمسئولين داخل الوزارة؛ لبحث إنجاز المشروع الذي لم تتقدم فيه وزارة الزراعة، رغم حصولها على عدة قروض دولية من البنك الدولى ومنظمة الإيفاد، في حين حققت وزارة الرى عددا من الإنجازات بتنفيذ المشروع بشكل جيد وهو ما جعل الحكومة تفكر جديا في إسناد كافة أعمال المشروع إليها، وهو أمر قابلته حالة من الغضب داخل "الزراعة" بررها البعض برغبة المسئولين داخلها الحفاظ على القروض الدولية التي حصلت عليها الوزارة من وراء الرى الحقلى، والتي تقدر بعشرات الملايين من الدولارات إلى جانب سعى الوزارة في العامين الأخيرين للحصول على قروض بقيمة 500 مليون دولار من البنك الدولى لاستكمال المشروع.
"نقلا عن العدد الورقي.."