رئيس التحرير
عصام كامل

وزارة الداخلية تخاصم الإعلام!


بعد ما يقرب من عام ونصف العام، قضاها على مقعد وزير الداخلية، وفي إطار المساعي المفترضة لتطوير جهاز الشرطة، لم يصدر عن وزير الداخلية اللواء مجدي عبد الغفار أي قرارات أو مساعي ملحوظة في هذا الإطار سوى إصداره قرارا بإنشاء إدارة جديدة، أطلق عليها إدارة الشئون المعنوية بوزارة الداخلية، وبحسب ما نشر حول مهام الإدارة الجديدة، فإنها أقيمت لتمارس ذات المهام، فسوف تكون معنية بمتابعة وسائل الإعلام، ورصد وجمع كل ما ينشر أو يذاع من أخبار وموضوعات تتعلق بوزارة الداخلية، وانتدب الوزير عددا من الضباط الحاصلين على دراسات عليا ودرجات ماجستير ودكتواره في مجال الإعلام للعمل بالإدارة الجديدة.


الحقيقة أن كثيرا من المتابعين والمعنيين بالشأن الأمني، وأنا آخرهم وأقلهم فهما للمسائل الأمنية، قابلوا قرار الوزير بتكوين الإدارة الجديدة، بتعجب واستغراب شديدين، بسبب أن المهام التي ستمارسها الإدارة الجديدة هي ذات المهام التي يمارسها جهاز كبير وضخم داخل وزارة الداخلية منصوص عليه داخل البنيان الإداري بالوزراة، هو قطاع الإعلام والعلاقات العامة، ويضم إدارات للعلاقات العامة والإعلام والعلاقات الإنسانية، ومهمة هذا القطاع في المجمل هو الحرص على تطوير وتنمية العلاقات مع المجتمع بشكل عام عبر إدارة العلاقات العامة، والحرص كذلك على توطيد العلاقة بين الوزارة وبين ضباط وأفراد جهاز الشرطة عبر إدارة العلاقات الإنسانية، ويعتمد هذا القطاع في تحقيق أهدافه للتواصل مع المجتمع العام أو المجتمع الداخلي داخل الوزارة على عدة وسائل أهمها أجهزة الإعلام، ومن هنا جاءت تسمية القطاع بقطاع الإعلام والعلاقات العامة.

ومن بين الإدارات والأقسام المهمة، التي تتبع قطاع الإعلام والعلاقات، مركز الإعلام الأمني الذي تم تكوينه بقرار من اللواء حسن الألفي وزير الداخلية وبفكر اللواء رءوف المناوي مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات آنذاك، الذي كان منحازا وبشدة لفكرة ضرورة الانفتاح على كافة وسائل الإعلام، المحلية والإقليمية والدولية، وتوفير البيانات العاجلة عن التطورات الأمنية وبدقة وبسرعة، وكان حريصا على أن يكون مركز الإعلام الأمني هو الجسر الآمن الضامن لجذب مساندة لجهاز الشرطة في كل مهامه من المواطن المصري، ونجح المركز الإعلامي، في أوج الصراع الدموي مع جماعات الخراب والدم، نجح في تحقيق أكبر مساندة شعبية لمواجهة جماعات الإرهاب والموت، ولعل اللواء مجدي عبد الغفار الذي كان أحد ضباط جهاز أمن الدولة المعنيين بمكافحة جماعة التطرف والإرهاب، لعله يذكر تفاصيل ذلك التلاحم بين كافة فئات الشعب والشرطة، والذى أنتجه وكان المحرك الأول لإحداثه هو مركز الإعلام الأمني والعاملين فيه من قيادات وضباط وأفراد.

الجدير بالذكر أن كافة أجهزة وزارة الداخلية في مختلف الدول العربية في تلك الفترة اقتبست التجربة المصرية في الإعلام الأمني، وجميعها أقامت مركزا للإعلام الأمني، وبات علم الإعلام الأمني فرعا يدرس وتجرى حوله البحوث والدراسات والمناقشات في المراكز الأكاديمية الأمنية والبحثية المعنية بالشئون الأمنية.

الجدير بالذكر كذلك أن مركز الأعلام الأمني الذي أقيم بوزارة الداخلية المصرية أنفقت عليه الدولة عشرات الملايين من الجنيهات، وتم تزويده بأحدث الوسائل التكنولوجية لتحقيق مهامه، وتم تزويده بمجموعات مختلفة من الضباط متعددي المهارات والدراسات والخبرات، وجميعهم يتقنون اللغات الأجنبية إجادة تامة، هؤلاء الضباط ومع توالي السنين باتوا خبراء في كيفية المزج المتوازن بين متطلبات وسائل الإعلام في الحصول على المستجدات والأخبار أولا بأول، وبين متطلبات العمل الأمني.

المثير للغرابة أكثر أن قرار تكوين إدارة جديدة للشئون المعنوية بوزارة الداخلية، جاء بعد أن صدرت قرارات متعاقبة بنقل العديد من الضباط الأكفاء بالإدارة العامة للإعلام والعلاقات وبالأخص من العاملين بمركز الإعلام الأمني، أعقبتها قرارات بإحالة الكثيرين منهم للتقاعد قبل بلوغهم السن القانونية للإحالة للتقاعد! حدث هذا بينما تأتي الوزارة بضبط جدد، لا أشك في أن لديهم دراسات متخصصة في الإعلام، ولكني أراها دراسات أكاديمية تحتاج سنوات طويلة للثقل وتحقيق احترافية عملية في التعامل مع أجهزة الاعلام وتدبير احتياجاتها المستمرة في المعرفة والإطلاع على المستجدات على مدى اللحظة.

المثير للغرابة أكثر وأكثر أن قرار إنشاء الإدارة الجديدة بعد أن قررت وزارة الداخلية الانغلاق على نفسها ووقف التعامل مع أجهزة الإعلام، فيما عدا عدد محدود من الجرائد المحسوبة على المؤسسات القومية.

قرار الداخلية بمخاصمة وسائل الإعلام صدر في أعقاب الأزمة التي ثارت بين وزارة الداخلية ونقابة الصحفيين في أعقاب اقتحام ضباط الشرطة لمقر النقابة لضبط اثنين من الصحفيين تنفيذا لقرارات من النيابة العامة.

أظن أن وزارة الداخلية بالانغلاق ومخاصمة وسائل الإعلام، لا تخسر هي بذاتها، ولكن البلد كلها تخسر تعاونا من المفترض أن يكون مفيدا لتحقيق المساندة الحقيقية من مختلف أبناء الشعب لجهاز الشرطة، وأظن أن وزارة الداخلية تخسر كذلك باستحداث إدارة جديدة على أنقاض كيان كبير كان له إسهامات مهمة في خدمة الوطن والمواطن!

أظن أيضا أن هناك الكثير من الأمور التي يحتاج لها جهاز الشرطة لتطوير أدائه ولتلافي تكرار السقوط الأمني الذي حدث في يناير 2011.
الجريدة الرسمية