رئيس التحرير
عصام كامل

الطبقة الوسطى تختنق ولا تموت !!


فوجئت هذا الأسبوع بمقال للصديق الدكتور محمد شومان على صفحات جريدة اليوم السابع المصرية، بعنوان: موت الطبقة الوسطى! ومن خلال المقال ذكر كتابي "الخطاب السياسي للطبقة الوسطى المصرية" والذي وصفه بالكتاب المهم، وأضاف أنني تعرضت في الكتاب لتقديرات حجم الطبقة الوسطى في مصر، حيث ذكر أننى عرضت تقدير دكتور جلال أمين الذي قدرها بنسبة 45% من السكان، وتقدير دكتور محمود عبد الفضيل والذي قدرها بنسبة 48 % من السكان، ثم تقدير دكتور محمود عودة الذي يرى أن هذه التقديرات مبالغ فيها، وأن الطبقة الوسطى لا تتجاوز نسبة 25% من السكان، ثم أضاف أننى أقدرها بنسبة 35% من السكان، ويرى هو أن هذه التقديرات جميعها غير دقيقة، لأنها تعتمد على بيانات وإحصاءات قديمة قبل 25 يناير، وبالطبع مشكورا لمحاولته التعرض لمثل هذه القضية المهمة والشائكة، لكن يسمح لى أن أوضح بعض الحقائق حول هذه التقديرات وبالتواريخ حتى تتضح الأمور للقارئ:


أولا: فيما يتعلق بتواريخ هذه التقديرات للطبقة الوسطى المصرية، فقد جاءت تقديرات جلال أمين ومحمود عبد الفضيل في النصف الثانى من الثمانينيات من القرن العشرين، أي أنها قد قاربت الثلاثة عقود، وقد اعتمدت بشكل رئيسي على بعض الإحصاءات عن الدخل والثروة ، وقد تبدو هذه المؤشرات الكمية منطقية لعالمى اقتصاد، أما تقدير محمود عودة فقد جاء في دراسته التي نشرت في عدد خاص عن الطبقة الوسطى بمجلة الهلال بعنوان "الطبقة الوسطى المصرية في السلم الاجتماعى عام 1991" وانتقد فيه تقديري جلال أمين ومحمود عبد الفضيل وقدم تقديره الذي لم يوضح لنا على أي أساس قدمه..

في حين أن تقديرنا قد جاء في دراستنا في عام 1998، وقد اعتمد على إحصاءات التعداد العام للسكان لأعوام 1976 و1986 و1996 واعتمد على المهنة والدخل ونوعية العمل، وهى المؤشرات التي اعتمدت عليها أغلب الدراسات التي حاولت تعريف الطبقة الوسطى، وبالطبع غالبية التقديرات تراوحت بين العقدين والثلاثة عقود، ومن الطبيعى أن يكون المجتمع المصري قد شهد تغيرات في هذه النسب، في ظل مجتمع تطبق فيه سياسات اقتصادية واجتماعية تنال من مكتسبات الطبقة الوسطى لصالح الطبقة العليا، فيحدث ذلك حراكا اجتماعيا هابطا لقطاعات واسعة من الطبقة الوسطى فتهبط تحت خط الفقر، لتستقر في قاع المجتمع مع الطبقة الدنيا.

ثانيا: لابد من التأكيد على أن هناك تراثا اجتماعيا ثريا عن الطبقات الاجتماعية عموما والطبقة الوسطى خصوصا، ومن الدراسات الرائدة في مجال دراسة الطبقة الوسطى، دراسة عادل غنيم بعنوان "حول قضية الطبقة الجديدة في مصر" ونشرت بمجلة الطليعة عام 1968، يليها وفى مجلة الطليعة أيضا وفى العام 1972 دراسة رفعت السعيد بعنوان "الطبقة الوسطى ودورها في المجتمع المصرى" وفى عام 1985 قدم سعد الدين إبراهيم دراسته المهمة عبر مجلة المنار بعنوان "أزمة مجتمع أم أزمة طبقة؟ دراسة في أزمة الطبقة المتوسطة الجديدة" وفى عام 1991 كان كتاب الهلال الذي تضمن مجموعة كبيرة من الدراسات المهمة عن الطبقة الوسطى منها دراسة محمود عودة التي تحدثنا عنها وكذلك دراسة محمود عبد الفضيل بعنوان "الطبقة الوسطى وأزمة المجتمع المصرى" ودراسة عاصم الدسوقى بعنوان"مآزق الطبقة الوسطى"

وفى العام 1996 فاجئنا عالم الاقتصاد المصرى رمزى زكى بكتابه "الليبرالية الجديدة تقول: وداعا للطبقة الوسطى"، ومن هنا تبلورت دراستنا التي استفادت من هذا التراث النظرى الثرى حول الطبقة الوسطى، وكان عنوان دراسة رمزى زكى وداعا للطبقة الوسطى صادما وغير دقيق.

ثالثا: الطبقة الوسطى في تعريفها لها أبعاد اقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية وسياسية، ولكن الغالبية تحصرها في الأبعاد الاقتصادية فقط وتغفل باقى الابعاد لذلك نسمع أصوات تتحدث عن موت الطبقة الوسطى وهو ما أنكره دكتور محمد شومان في متن مقاله بخلاف ما جاء بالعنوان وننكره أيضا، فالطبقة الوسطى قد تختنق وتتآكل مكاسبها وينكمش عددها نتيجة للحراك الهابط لبعض أعضائها، لكنها أبدا لن تموت ولن تختفى من الوجود.

رابعا: الطبقة الوسطى هي صمام الأمان لأى مجتمع، وكلما زاد حجم الطبقة الوسطى في أي مجتمع دليل على الاستقرار والأمان، والطبقة الوسطى تاريخيا تشكل الوعاء الأخلاقى للمجتمع، وهى قائدة عمليات التغيير لأن أعضاءها هم الأكثر وعيا وثقافة وتعليما.

خامسا: لقد تنامت الطبقة الوسطى المصرية الجديدة بشكل غير مسبوق- منذ أن وضعت بذورها الجنينية أثناء بناء محمد على لدولته الحديثة- في ظل المشروع التنموى لثورة 23 يوليو 1952، حيث صبت السياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في صالح الطبقات الفقيرة والكادحة، مما جعلها تحدث حراكا اجتماعيا صاعدا تضخمت على أثره الطبقة الوسطى، ومنذ مطلع السبعينيات وتطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادى وآليات السوق ومكاسب الطبقة الوسطى تتآكل.

وعندما تتساقط أعداد كبيرة من الطبقة الوسطى إلى الطبقة الدنيا ويضيق الخناق حولها بفعل السياسات الحكومية لا تموت الطبقة الوسطى بل يكون ذلك مؤشرا على تحرك ثورى تقوده هذه الطبقة، وينضم إليها بالطبع أبناء الطبقة الدنيا التي بها أعداد كبيرة تم إفقارها بفعل سياسات النظام السياسي وحكومته، ولعل مشهد 25 يناير خير شاهد وخير دليل..

فالطليعة الثورية كانت من أبناء الطبقة الوسطى الأكثر وعيا وثقافة وتعليما، ومازال المشهد المصرى ينذر بتحرك منتظر للطبقة الوسطى في ظل استمرار نفس السياسات الاقتصادية التي تضر بمصالح الطبقة الوسطى، خاصة وأن الرئيس السيسي مؤخرا قد حسم انحيازاته الاجتماعية وخياراته الاقتصادية حين قرر أن أول عملية إصلاح اقتصادى في مصر كانت في عام 1977 ولكنها واجهت طوفانا شعبيا مما جعل الحكومات التالية تتراجع عن اتخاذ خطوات مماثلة، وهو مؤشر جديد لما هو قادم من سياسات ونحذر من عواقبه، لأن محاولة 1977 هي أول محاولة لتخريب الاقتصاد المصرى وليس إصلاحه، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية