رئيس التحرير
عصام كامل

ملوخية بالأرانب على شرف رئيس الحكومة


لم يبق في ذاكرتي من برنامج «عالم الحيوان» الذي كان يطل علينا كل يوم جمعة بتعليق الراحل محمود سلطان سوى هذا المشهد -وللأمانة لا أعلم سر التصاقه بالذاكرة إلى الآن، المشهد تفصيليًا كان عبارة عن مطاردة كلبي صيد لأرنب بري، وكل واحد منهما يطرده نحو رفيقه، أو يحاول اقتناصه عندما يطرده رفيقه نحوه، الكلبان ترتفع سيقانهما ما يزيد على النصف متر فوق الأرض مع كل قفزة، يتطاير اللعاب من أفواههما في الفضاء، وهما يركضان في لهاث شرس، ويعدو الأرنب بأقصى ما يستطيع -على أمل واهن في الحياة- محاولًا الهرب منهما، وفي النهاية لا ينجو المسكين من أنيابهما، المشهد لا يتعدى ثوانٍ معدودة، ولكن حين أتذكره دائما ما يثير نفس الأسئلة لدى، فهل مطاردة الكلبين للأرنب كانت نتاج تفاهم أو اتفاق بينهما، أم كانت مجرد تضافر لأهوائهما، وتلاقي مصالح مشتركة بينهما على الهدف نفسه في هذا الوقت تحديدًا.


ربما كان الحافز لتنشيط الذاكرة لتذكر المقطع أعلاه حديثا ذا شجون جمعني بأحد الأصدقاء على وجبة غداء، اشتكى فيه من عدم قدرته على الوفاء بضروريات الحياة أو كمالياتها، وعجزه عن أداء التزاماته المادية تجاه من هو مسئول عنهم، مبررًا ذلك بضآلة ما يكتسبه من راتب أمام أسوار الأسعار العالية التي يعجز راتبه عن تسلقها، وما زاد من حجم المأساة أن جميع مدخراته تآكلت بسبب الغلو الفاحش الذي يمارسه التجار، ولا يدري إن كان بعلم الحكومة فتكون مصيبة فادحة، ويطرد على الفور من ذهنه فكرة علم الدولة بذلك أو تواطؤها معهم لأن هنا تكون المصيبة أفدح.

صديقي لا زال على اعتقاده القديم بقدرة الدولة على كبح جماح طموح التجار ظنًا منه أنها ما زالت تمتلك الآليات التي تعينها على ذلك، ولا يدري أن المخالب تم تقليمها لصالح قوة السوق، ولا تملك إلا مسكنات من بقايا العصر الاشتراكي كالجمعيات الاستهلاكية أو عربات تجوب الشوارع تكاد روحك أن تزهق قبل أن تطولها من الزحام.

صديقي انتبه إلى أن الدولة لديها أيضا ممارسات فتكت بالبقية الباقية من مدخراته وقصفت برقبة ما تبقى من أمل في أن يرتقي الراتب سور الأسعار، فكادت نفسه تُسد عن الطعام، فتهاونها مع أزمة الدولار، والأفكار الفاشلة للسيطرة على الأزمة كإلغاء الصرافة مطلقًا ذكرتنا بما فعله نظام مبارك حين استحكمت أزمة أنفلونزا الخنازير فتفتق ذهن الجهابزة حينها عن فكرة قتل كل الخنازير وكانت فضيحة بجلاجل، وتركت الساحة لانتشار الشائعات حول قيمة الضريبة المضافة التي جعلت كل التجار يتلاعبون بالأسعار كيفما شاء لهم.

انتهت وجبة الغداء وكان بطلها بلا منازع هي الملوخية بالأرانب -مع طلة خفيفة لرئيس الحكومة على إحدى شاشات الفضائيات في اجتماع مع بعض رجال الأعمال- الذي لم ينجُ هو الآخر من أنيابنا.
الجريدة الرسمية