التأمين الصحي بين دروس الماضي وآمال المستقبل
اعتاد خبراء الصحة واقتصادياتها إلى تقسيم الإنفاق على الصحة إلى إنفاق حكومي وهو ما تخصصه الحكومة في موازنتها للإنفاق على الصحة وإنفاق غير حكومى وهو كل ما عدا ذلك من إنفاق. وفى الدول التي تعانى من نقص الإنفاق الحكومى عادة ما تحاول الحكومات ضم مخصصات كل ما يمت بصلة للصحة لتضخيم الرقم المخصص لها فقد تضم مخصصات البيئة أو الصرف الصحى أو مكافحة الحشرات أو غيرها من مخصصات.
وفى بحثنا هذا نقصد بالإنفاق على الصحة ما ينفق على الوقاية والتشخيص والعلاج. وعكس ما يظنه كثير من المتابعين وخاصة مع الجدال حوال نسبة الإنفاق سواء من الناتج القومى أو من الموازنة العامة ونظرًا لاختلاف عدد السكان من بلد لآخر فقد اعتدنا على تقييم الإنفاق على الصحة بمتوسط الإنفاق على الفرد في السنة مقيما بالدولار الدولى تبعا لقيمة العملة المحلية الشرائية (معامل القوة الشرائية المقارن وهو المقدار من عملة البلد الذي يستطيع شراء ما يستطيع الدولار الأمريكى شراءه في الولايات المتحدة).
ولا نستطيع تقييم الوضع الحالى دون أن نعود بالذاكرة إلى ما أتى بنا إلى ما نحن فيه الآن.
بدأ الاهتمام بوضع نظام صحى جماعى في مصر لتوفير العلاج عند الحاجة (تأمين صحى) على النظام الحديث في عام 1936، حيث صدر قانون 64 لسنة 1936 حدد هذا القانون مسئولية أصحاب الأعمال تجاه العاملين فيما يخص إصابات العمل لكن تطبيق هذا القانون انحصر على العمال في الصناعة والتجارة دون التطبيق في المجالات الأخرى. وبعد ست سنوات بدأ إلزام أرباب العمل بالتأمين على العاملين لدى شركات التأمين بصدور القانون رقم 86 لسنة 1942. ثم صدر القانون 117 لسنة 1950 وكان أول قانون يحدد حق العاملين في التعويض وفقًا للجداول المرفقة به في حالة إصابات العمل.
وقد حققت القوانين التي صدرت في العهد الملكى نقلة نوعية فيما يختص بحقوق العامل لدى الغير لكن المشكلات التى كان طرفاها العاملين وأرباب العمل انتقلت إلى ساحات القضاء، حيث تحول النزاع ليكون بين العاملين وشركات التأمين التي اجتهدت لتقليص ما تدفعه للعاملين إلى الحد الأدنى. وظل الوضع هكذا حتى عام 1958 عندما تم استحداث الصندوق القومى لإصابات العمل بموجب القانون 202 لسنة 1958 للتأمين والتعويضات ضد إصابات العمل الذي تم بموجبه نقل مسئولية تمويل والتزامات إصابات العمل إلى هذه المؤسسة العامة للتغلب على تجاوزات شركات التأمين التجارية في حقوق العمال المصابين في ظل القوانين السابقة.
وفى عام 1959 صدر قانون العمل الموحد رقم 91، حيث وضع هذا القانون مكونات أو معايير الرعاية الصحية اللازم توفيرها لعمال المؤسسات المختلفة طبقًا لعدد العاملين بها من جانب صاحب العمل ونتيجة لهذا القانون بدأت الشركات والمصانع في إنشاء الأقسام والإدارات الطبية بها أو التعاقد مع شركات التأمين التجارية بعقود تأمين جماعية لعمالهم أو التعاقد مع المؤسسة الصحية العمالية، والتي تم إنشاؤها بقرار رئيس الجمهورية رقم 571 لسنة 1961 طبقًا لهذا القانون لتقديم الرعاية الصحية للعاملين بالمصانع والشركات والمؤسسات الصناعية وبخاصة إصابات العمل، وأصبحت المؤسسة العمالية فيما بعد نواة الهيئة العامة للتأمين الصحي.
ونستطيع أن نقول إن التأمين الصحى بشكله الحالى قد بدأ بصدور القانون 63 لسنة 1964 بتطبيق التأمين الصحي على العاملين بالقطاعين العام والخاص الخاضعين لقانون التأمين الاجتماعي مقابل اشتراك 4 % من الأجور الشهرية يسددها صاحب العمل، بالإضافة إلى 1 % من الأجر الشهري يسدده العامل.
وقد أناط القانون بالهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية في ذلك الوقت تنفيذ هذا القانون. ثم صدر القانون 75 لسنة 1964، وتقضي أحكام هذا القانون بتطبيق التأمين الصحي على موظفي الحكومة والهيئات العامة والمؤسسات العامة ووحدات الإدارة المحلية مقابل اشتراك قدره 3 % من أجور العاملين شهريًا يسددها صاحب العمل ( الحكومة )، بالإضافة إلى 1 % من الأجر الشهري يسدده العامل أو الموظف.
وبناءً على هذا القانون صدر قرار رئيس الجمهورية 1209 لسنة 1964 بإنشاء الهيئة العامة للتأمين الصحي لتنفيذ ما جاء به، واستكمالا لإعادة الهيكلة الإدارية فقد صدر القرار الجمهوري 3298 لسنة 1964 بنقل مسئولية الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية فيما يخص تطبيق التأمين الصحي إلى الهيئة العامة للتأمين الصحي.
(يتبع)