رئيس التحرير
عصام كامل

"فدوى البرغوثى" لـ"الأناضول": على هذه الأرض ما يستحق الحياة.. أخشى على "مروان" من الغموض الموحش للموقف الفلسطينى.. والاعتذار الإسرائيلى لتركيا منح القضية أملًا جديدًا

فدوى البرغوثى
فدوى البرغوثى



ارتد إليها حنينها، فافتدت دمع قلبها بما اكتسبه فؤادها كزوجة وأم لها فى ابنتها "ربا".. حسرة الفتاة التى تزوجت فى غياب والدها، وعما قليل ستضع طفلها الأول بعيدًا عن جده الأسير والقيادى الفلسطينى مروان البرغوثى..


فدوى البرغوثى، زوجة أشهر أسير فلسطينى يصعب قراءة مستقبله، والتى أجرت معها وكالة الأناضول للأنباء حوارًا نشرته على موقعها اليوم، تعيش أملها برداء الانتظار الثقيل، وتمشى فى كل اتجاه لكى تصل لمبتغاها.

و"كان الرجاء كما تقول لـ"الأناضول" فى صفقة تبادل الأسرى الأخيرة التى تمت بعيدًا عن قيادات الحركة الأسيرة"، ومن بعد ارتخاء مبهم مارسته القيادة الفلسطينية وباقى مؤسسات المجتمع الفلسطينى للضغط على إسرائيل لتستجيب لصوت الحياة فى حنين كل أسرة لأسيرها، وكذلك مروان الأب والجد عما قريب.

وربما نجلها البكر "القسام" الذى سماه والده تيمنًا بالشيخ السورى الجليل عز الدين القسام الذى قاد المجاهدين من بلاد الشام للقتال فى فلسطين فى النصف الأول من القرن الماضى، وافتخارًا بالمقاومة، لم يشفع لأصحاب القرار فى صفقة التبادل الأخيرة أن يشملوا "أبو القسام" فيها ليكون حرًّا كما يشتهى كل فلسطينى".

لا تخفى "البرغوثى" خوفها على مروان لما يسود – على حد قولها- من "غموض موحش فى الواقع الفلسطينى، فطالما بقى الانقسام بقيت مصائر الأسرى حبيسة الاجتهادات الفصائلية"، وهو الخوف عينه أن يفوت مروان نمو حفيدته الآتية فى يوليو/ تموز القادم كما فاته يانعة ربا ابنته، وإلى جانبها شقيقاها عرب وشرف.

عند الحديث عن الزوج - وليس الثائر مروان البرغوثى - فإن فدوى الزوجة، وليست المحامية، كغيرها من نساء العالم يأخذها الحنين والشوق إلى لحظات كانت عاشتها فى كنف بيتها مع مروان الأب والزوج الحنون، الذى لطالما حافظ على حبه وتقديره واحترامه وتسامحه ودعمه لها، من منظور فكره الذى يؤمن بقدرات المرأة، ويشجع على إعطائها الدور لأن تكون شريكة بشكل متكامل مع الرجل فى بناء المجتمع الفلسطينى"، كما تقول فدوى.

ورغم معاناتها من حرمانها لزوجها ولأسرة متكاملة كغيرها، إلا أنها مدركة ومؤمنة أن "مروان الأسير ضحى بحياته من أجل فلسطين وأبنائها الذين يستحقون منه هذه التضحية".

الولوج إلى المسئولية التى تتحملها فدوى الأم أطلق عنانها من جديد، ولكن هذه المرة أمام كاميرا وكالة الأناضول للأنباء، فدفعها لأن تقول: "أنتظر أنا وأولادك عودتك يا مروان، عد إلينا"، "فالمسئولية كبيرة وعظيمة"، كما تصفها، كيف لا وهى الناهى والآمر والناصح والموجه والمرشد فى غياب الأب مروان الذى غيّبه الاعتقال قسرًا عن أبنائه طوال 18 عامًا قضى 11 منها وراء القضبان الحديدية الإسرائيلية، فيما تنقّل فى السبع الأخريات ما بين النفى والإقامة الجبرية.

فدوى البرغوثى التى مُنعت من زيارة زوجها فى السنوات الأربع الأولى من اعتقاله تخاف وتحرص وتتوتر من أجل أولادها الذين تمكنوا أخيرًا من رؤية والدهم فى أكتوبر الماضى بعد منعهم لسنوات طويلة لحين بلوغهم سن السادسة عشر، وهو السن الذى تجيز السلطات الإسرائيلية استخراج تصاريح زيارة له.

خوف الأم على أبنائها وأسرتها لم يكن بقدر ذلك الهاجس والخوف على فلسطين الوطن، فالخوف من إبقاء الانقسام بين أبناء فلسطين أكبر من الجميع لدى فدوى التى تخاف أن "يؤجّل الانقسام تحرير فلسطين التى اعتقل زوجها وآخرون مثله فى سبيله".

خلال اللقاء الذى أجرته معها مراسلة الأناضول فى أحد فنادق العاصمة المصرية القاهرة، حيث تشارك فى ندوة حول الوضع الفلسطينى، على ظروف اعتقال الأسير مروان البرغوثى، أطلعتنا زوجته على ظروف اعتقاله التى قضى سنواته الأربع الأولى منها "داخل عزل انفرادى لم يكن يُسمح له بلقاء أى من رفقاء قضيته الذين كانوا يقبعون هم الآخرون إلى جوار منه، أو بلقاء عائلته، ناهيك عن الـ100 يوم التى خضع خلالها لأبشع وسائل التعذيب النفسى والجسدى، أما الآن - تضيف الزوجة - "فمروان يقضى أيام اعتقاله فى العزل الجماعى برفقة 100 من المعتقلين الفلسطينيين فى سجن "هداريم" دون السماح له بالتنقل بين السجون الأخرى، وذلك لعزله عن الأسرى؛ لضمان عدم تأثيره السياسى على معنوياتهم وحياتهم".

قراءة الأسير مروان البرغوثى للمشهدين الفلسطينى والإقليمى كانت حاضرة من خلال زوجته التى نقلت عنه قناعاته وإدراكه بعدم وجود شريك إسرائيلى للفلسطينيين فى عملية السلام، وأن "إسرائيل تسعى للالتقاء مع الفلسطينيين من أجل الحديث عن السلام وليس من أجل صنعه".

تنقل أيضًا عنه قناعاته بأن "الحكومة الإسرائيلية هى حكومة استيطان واحتلال، وحكومة عدوان واعتقال واغتيال، وليست حكومة سلام"، وتشديده على ضرورة ألا يتكئ الفلسطينيون على رهان المفاوضات لوحده، وأن "على الفلسطينيين الاستناد على مقاومتهم الشعبية التى يشارك فيها كل أبناء الشعب الفلسطينى".

ويرى أيضا - بحسب فدوى البرغوثى - "أن المفاوضات بدون مقاومة هى استجداء، ولا يمكن أن تنتج شيئًا، وأن المقاومة بدون المفاوضات قد تكون فى بعض الأحيان مغامرة، وهو لا يريد أن يكون الشعب الفلسطينى مغامرًا أو مستجديًا، بل صاحب حق يناضل ويكافح كغيره من شعوب العالم للحصول على حريته وفقًا لما كفلته له قرارات الشرعية الدولية"، ومن هنا يشدد دوما على أنه "لا يجوز الاتكاء على عكاز المفاوضات لوحده؛ لأنه لا يسند الشعب"، كما تنقل زوجته عنه.

أما المصالحة الفلسطينية فهو يؤكد دومًا، كما تقول فدوى، "أن الوحدة هى قانون الانتصار للشعوب المقهورة، ولا يمكن للشعب الفلسطينى أن ينتصر بدون الوحدة الوطنية"، وتذكر بأنه "هو أول من بادر بخط يده إلى إصدار وثيقة الأسرى للوفاق الوطنى مع رفاقه فى السجون الإسرائيلية، وحاول وهو من داخل السجن أن يقود مبادرات كثيرة من أجل إنهاء الانقسام، وكان سيتخذ مؤخرًا خطوات أخرى كبيرة جدًّا لولا اضرابات الأسرى عن الطعام، والزيارة الأخيرة للمنطقة التى قام بها الرئيس الأمريكى باراك أوباما والتى أجّلت تلك الخطوات" التى تفضل عدم الإفصاح عنها.

الحديث الدائم عن إمكانية إبرام صفقات لتبادل الأسرى يدفع لسؤالها عما إذا كان هناك أى حديث يشمل زوجها، فتجيب قائلة: "من الطبيعى أن يشمل مروان، ومن المؤسف ألا يشمله، فهو عانى على مدار 18 عامًا، قضى 11 منها داخل السجون الإسرائيلية، وسبع تعرض خلالها للإبعاد والإقامة الجبرية".

وتستطرد قائلة: "مروان عضو فى اللجنة المركزية لحركة فتح ونائب فى المجلس التشريعى والوطنى، أى أنه يتواجد فى أعلى قمة الهرم والقيادة الفلسطينية، ولا أتفهم سكوت القيادة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية على بقائه داخل السجن طوال هذه الفترة".

لكنها فى هذا الصدد تعول كثيرًا على الدور التركى الذى ترى نجمه يصعد فى المنطقة العربية بشكل عام، وفى الساحة الفلسطينية بشكل خاص، لذلك تعول فدوى على "تركيا فى العمل على الضغط من أجل تحرير الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية". وتعرب عن قناعتها بأن "تركيا بمقدورها عمل المزيد من أجل أبناء الشعب الفلسطينى، لا سيما بعد الاعتذار الإسرائيلى الأخير لها، والذى ترى بأنه جاء متأخرًا بعد أن استباح الدماء التركية التى باركتها وأبرقت لها ولأبناء شعبها التحية".

الجريدة الرسمية