رئيس التحرير
عصام كامل

محمد عفيفي: التراجع الثقافي «قضية أمن قومي».. (تقرير)

 الدكتور محمد عفيفي
الدكتور محمد عفيفي الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقا

حالة من "المد والجزر" هو التوصيف الأقرب للعلاقة الدائرة بين الدولة المصرية والثقافة بشكل عام في العقود الأخيرة، بأصوات عدة تنادي على الدوام بضرورة إعطاء الأولوية للملف الثقافي ووضعه ضمن أولى الإشكاليات الواجبة الدعم والحل في مصر.


وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي ضمن الشخصيات التي ذكرت الثقافة ومؤسساتها في كثير من خطاباته، ودعا إلى الاهتمام بقصور الثقافة التي تعتبر كنزًا مصريًا لا يتم الالتفات إليه، إضافة إلى دعم السينما والدراما، إلا أن تلك التوجيهات لم تلق صداها بعد، ولم تسترجع حميمية العلاقة بين الدولة والثقافة عقب سنوات طويلة من الفتور.

وتعليقًا على تلك الإشكالية قال الدكتور محمد عفيفي الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة، في حديثه مع "فيتو":

إن الأمم عندما تقوم بثورات أو أحداث كبرى مثل الانتصارات أو الهزائم، دائمًا ما يحدث تغيير ثقافي كبير في المجتمع، حيث ينتج عن الثورات طفرات ثقافية تتكون معالمها من الماضي ولكنها تكتسب من الواقع أهداف ورؤى ووجوه ثقافية جديدة.

وتظهر تلك الطفرات جلية في ثورات مصر القديمة، مثل ثورة 1919 التي نتج عنها ظهور فكرة القومية المصرية، وتطور الفكر الليبرالي والصحافة والجامعة.

الأمر نفسه حدث في ثورة 1952 التي نتج عنها ظهور فكرة القومية العربية، وتطور الفكر اليساري وظهور وجوه ثقافية وصحفية جديدة مثل صلاح جاهين وإحسان عبدالقدوس وهيكل، ناهيك عن المجال الموسيقى والسينمائي.

إشكالية الوضع الثقافي
أما الإشكالية الكبرى في الوضع الثقافي المصري الحالي هي أن تلك الطفرة والتطور الذي ينتج عن الثورات لم يحدث في ثورة يناير أو 30 يونيو، حيث كان الاهتمام الأول للدولة بالوضع السياسي والأمني فقط، مؤكدًا أن خبرة الثورات في التاريخ تقول أنه لا يمكن إحداث تغيير على المستوى الاقتصادي والأمني والسياسي دون تطور ثقافي وتعليمي حقيقي، قائلا: "استرداد الأمن على أرض الواقع يقوم به ضابط الأمن والشرطة، ولكن لا تستطيع تلك الأفراد إعادة الأمن بدون مثقفين لترسيخ فكرة ومصطلحات المواطنة والدولة والقانون في المجتمع".

الحلول المطروحة
وأكد عفيفي أن الحل لتلك الإشكالية هي طرح ملف الثقافة والتعليم والاهتمام به كأولوية للدولة، بنفس أولوية الملف الاقتصادي والأمن القومي، وعمل حوار مجتمعي فعال حول أهمية وأولوية الثقافة، إضافة إلى إدراك الدولة وإقناعها أنه لا يمكن بناء اقتصاد وأمن قوي بدون وعي ثقافي، مؤكدًا أنه على المثقفين زيادة المطالبة والضغط على الدولة لحين اهتمامها بالثقافة ووضعها في أولى الأولويات.

وأشار عفيفي أن الأمر لا يقع على كأهل الدولة فقط، وإنما ينبغي أن يشعر المثقفين والمؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة والرأي العام بأكمله بمدى تراجع الوضع الثقافة وضرورة استرجاع دور مصر الثقافي والريادي في المنطقة بأكملها.

طرد مصر

وأوضح عفيفي أن تردى الوضع الثقافي المصري هو قضية أمن قومي، فلا يمكن السكوت على هيمنة الدول على شاشات التلفاز من خلال المسلسلات التركية والهندية والمدبلجة وتراجع الأعمال المصرية التي كانت فيما سبق تنشر ثقافتنا بين جميع الدول العربية، مؤكدًا أن مايحدث في دراما هو عبارة عن طرد لدور مصر الثقافي والتاريخي.

دعم الدراما المصرية
وطالب عفيفي بدعم الدراما المصرية من خلال رؤية وإستراتيجية جديدة، والعمل على أن تكون الدراما إحدى مصادر الدخل المصري، مؤكدًا أنه قبل تأميم قناة السويس كانت السينما هي المصدر الثاني للدخل على مستوى مصر بعد الأوبرا، مثلها في ذلك مثل الدراما التركية والهندية التي تعتبر الآن مصدر هام من مصادر الدخل التركي، إضافة إلى إيجابياتها في تصدير النموذج التركي للعالم وجذب السياح إليها، والترويج لمنتجاتها عبر شاشات السينما والدراما.

وختم عفيفي حديثه بأن الثقافة بمعناها الواسع هي السلعة الرئيسية لمصر التي لطالما تصدرها للعالم، حيث يمكنها در دخل مادي ومعنوي كبير، لأنها ثورة قومية كبرى لابد الانتباه إليها وعدم إهمالها وتهميش دورها.
الجريدة الرسمية