مقال «الإيكونوميست» ورد وزارة الخارجية
قرأت مقالة مجلة "الإيكونوميست" الأمريكية من على موقع المجلة على الإنترنت، وقرأت رد وزارة الخارجية على لسان المتحدث الرسمي المستشار أحمد أبو زيد.. المقال تضمن تحليلًا متشائمًا للاقتصاد المصري، وتوصيات بما يجب على الحكومة أو الرئيس اتخاذه، ودعوة الرئيس إلى عدم خوض سباق الرئاسة لعام 2018.
وزارة الخارجية ردت كما تعودت أن ترد على كل منتقدي السياسة أو الاقتصاد في مصر، متهمة المجلة بالتحيز وعدم الموضوعية، و"بقصر النظر" لأنها لم تر الجوانب الإيجابية في الاقتصاد المصري، وأن البطء في النمو يأتي لمراعاة الفئات الفقيرة وفي إطار رؤية 2030 للتنمية المستديمة في مصر.
رد وزارة الخارجية تضمن تحديدًا أن "الخطة الاقتصادية في مصر لن تجنى ثمارها بين عشية وضحاها، حيث إن فوائدها تتخطى مجرد تحقيق عوائد اقتصادية بحتة"، رد الخارجية عاب على الإيكونوميست أنها لم تلحظ أنه "تم اتخاذ قرارات صعبة وجريئة لإصلاح سياسات الدعم وأسعار الطاقة"، وعاب عليها أيضًا عدم مراعاة أن الحزمة الاقتصادية الجارى التفاوض بشأنها مع صندوق النقد الدولى، والتي وللمرافقة تقلل الإيكونوميست من شأنها، تثبت سلامة المسار الاقتصادى في مصر"، وزارة الخارجية اختتمت البيان بأن "المصريين لن ينتظروا وصاية من أحد ولا يتقبلون إهانة اختياراتهم".
الإعلام المصري تفاعل مع رد وزارة الخارجية فخرج من قال إن الإيكونوميست تريد مصر مثل سوريا وليبيا، مصحوبًا بالوصلة المعروفة عن "المؤامرة"، حتى أن رئيس تحرير صحيفة مستقلة قال إنها "خطة مرسومة لتفكيك الدولة، وهروب الاستثمار، وإن مؤامرات الإعلام الغربي صارت مفضوحة".
الموضوعية حتمت على أن أعرض ما جاء على لسان المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، ومن الموضوعية أيضًا أن أقول إن رد وزارة الخارجية جاء مقاليًا إنشائيًا خاليًا من أرقام وإحصاءات، فيما عرضت مجلة الإيكونوميست - في مقال آخر بالعدد نفسه تحت عنوان "حالة الإنكار"- أرقامًا عن عجز الموازنة وعن الدين الداخلي والذي قالت إنهما يتراوحان بين 12% و7%، وعن نسبة البطالة بين الشباب التي قالت المجلة إنها ارتفعت إلى 40%، بل تضمن المقال رسومًا بيانية توضح انخفاض الناتج القومي للفرد، وعجز الموازنة، ونسبة البطالة.
ليس من المستغرب أن تعتبر وزارة الخارجية المقال متحيزًا ويخلو من كل معايير الموضوعية، الغريب بالنسبة لي ألا تعرف وزارة الخارجية أن الإعلام الغربي لن يكون في معظمه إعلام "العلاقات العامة" لتحسين صورة الوضع الاقتصادي في مصر، فالإعلام يبحث عن الجوانب السلبية وليس عن الجوانب الإيجابية، والإعلام الغربي قد لا يرى في التحسن الملموس في قطاع الطاقة، وبخاصة الكهرباء، في مصر ما نراه كمصريين، فهو ينظر إلى عجز الموازنة، والدين العام، ونسبة البطالة، وإلى قوة العملة المحلية في مواجهة العملات الأخرى، وإلى الاستثمار، وغير ذلك من معايير تعرفها وزارة الخارجية جيدًا.
لا أعرف كيف تطالب وزارة الخارجية مجلة الإيكونوميست بنظرة أكثر موضوعية، والمواقع الإلكترونية في مصر نقلت تحذير الإعلامي وائل الإبراشي للحكومة من ثورة جياع قادمة، كيف يمكن لنا أن نطالب الإيكونوميست بنقل صورة متفاءلة عن الاقتصاد المصري، والصحف في مصر تصف محافظ البنك المركزي "بالفاشل.. الذي أقنع الرئيس بالمبادرة الفاشلة والدولار يتحدى قراراته المتضاربة"، والخبراء الاقتصاديون متشائمون من تفاقم الدين العام ومن الوضع الاقتصادي وارتفاع الإسعار.
ليس صحيحًا أن المجلة لم تذكر بعض الإجراءات التي قامت بها الحكومة، فقد ذكرت المجلة في مقال بالعدد نفسه بعنوان "حالة الإنكار" جهود الحكومة لتخصيص 20% من قروض البنوك للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، ولكنها قالت إنه ليس من الواضح كيف سيتم معاملة المشروعات غير المسجلة (غير الرسمية)، وهل سيوجد عدد كاف من المشروعات.
من المحزن أن تكون مجلة الإيكونوميست أكثر تعبيرًا عن نبض الشارع من وزارة الخارجية فتتحدث عن الرشوة والبيروقراطية في مصر فتقول إن المستثمر يجب أن يحصل على موافقات من 78 جهة، المجلة قالت إن عدد الجهات التي ذكرتها "وفقًا للحكومة".. المجلة قالت عن التعليم إنه "حر ولكنه فقير والجامعات تقوم بجهود بسيطة لتزويد الخريجين بالمهارات التي يحتاجونها"، ولا أعقتد أن توصيف مجلة الإيكونوميست للتعليم في مصر غير موضوعي.
مجلة الإيكونوميست تعرضت لموضوعات متفرقة من بينها توصيات اقتصادية، ودعوة الرئيس لعدم خوض سباق انتخابات الرئاسة القادم، وهو ما اعتبرته وزارة الخارجية فرض وصاية وإهانة لاختيارات المصريين، وكان على الوزارة أن تقول إن دعوة الرئيس لعدم خوض سباق الرئاسة تتنافى وقيم الديمقراطية التي تدافع عنها الإيكونوميست بيد أن الوزارة فاتها ذلك في ظل ثورة غضبها من المقال.
يبقى أن أنصح وزير الخارجية والوزارة "بعدم التحسس" وهي نصيحة قدمها الرئيس للإعلام من قبل، فالمقال أعطى صورة سيئة عن الوضعين الاقتصادي والسياسي في مصر، ورد الوزارة لن يصلح الضرر الذي وقع، والذي لن ينصلح إلا عندما يثبت الواقع العملي أن مجلة الإيكونوميست كانت على خطأ في كل ما كتبته، وحتى يأتي هذا الوقت بعون الله فعلى وزارة الخارجية ألا تنتظر من الإعلام الغربي أن يرسم الصورة التي نريدها ونتمناها للحالتين الاقتصادية والسياسية، أو أن "يجّمل" الوضع الاقتصادي في مصر ويعتبره "مزهزة آخر حاجة"، ودمتم.