رئيس التحرير
عصام كامل

هكذا حياة «الشرائح الثلاث» يا سيادة الرئيس !


قد لا يصدق الكثيرون أن أحلامهم الحقيقية في تبدل الطقس فتأتي النسمة ويذهب القيظ.. ونسبة كبيرة منهم لا تمتلك المراوح الكهربائية وإن امتلكوها فهي منهكة بفعل الاستعمال متهالكة بفعل الزمن.. متنزهاتهم في الريف والأحياء الشعبية أمام بيوتهم خصوصا النساء منهم.. لم يزل التلفاز الأبيض والأسود لديهم يحمل ذكريات قديمة فإما حافظوا عليه أو لم يستطيعوا شراء غيره من أسواق المستعمل.. يجتمعون على طعام الإفطار ولا يكفيهم ولا يشتكون.. وقائمة طعام الغداء ليست التي يعرفها أبناء الطبقة المتوسطة أو العليا فعندهم تتكرر الأكلات الشعبية مرات ومرات وحتى تلك لم تعد في المتناول وفي طعامهم لا يستبدلون الزيت بعد استعماله مرة أو عدة مرات وإنما حتى يشتكي الزيت ويختفي احتراقًا لا يمنعهم عن ذلك كل النصائح الطبية..


وقد لا يصدق الكثيرون أن أحلامهم في وصول سيارات النقل العام سريعًا دون انتظارها تحت الشمس في الشارع طويلا ثم يحلمون بمساحة خالية في وسيلة مواصلات وأن نصف أعمارهم يضيع في انتقالاتهم اليومية مجبرين مكرهين لا خيار لهم.. وقد لا يصدق الكثيرون أن أحلام هؤلاء في تحرك أسرع لطوابير استخراج الأوراق الرسمية أو في ماء سبيل مثلج يطفئ لهيب أمعائهم.. وقد لا يصدق الكثيرون أن هؤلاء من أحلامهم أن يفكرون في الذهاب للمصايف ولا يذهبون فمجرد التفكير يمنحهم خيال الذهاب والعودة..

وبعضهم يعوضه المرور على النيل متعة العليل بملامسة الهواء لصفحة الماء.. وهؤلاء من أحلامهم أن يحفظ أمناء الشرطة والمخبرين أسماءهم حتى لو عاملوهم بغير احترام فيكفيهم -أمام ذويهم- إن "الباشا" يتذكر أساميهم.. هؤلاء يا سيادة الرئيس يتحملون آلام أسنانهم لإدراكهم أن أي زيارة لطبيب الأسنان ستقضي على ربع دخلهم الشهري على الأقل وعند الطبيب وكل طبيب يسألون عن البدائل إن أمكن وعلى وجوههم ابتسامة هي للانكسار وليست للأمل..

هؤلاء هم المستهلك الأساسي لبقايا محال الجزارة وروائح محال المشويات لهم متعة وعقاب.. وهؤلاء تعرف أحذيتهم طريقها للحياكة والترقيع مرات ومرات لا يعرفون العطور ولا مزيلات العرق والعفاف عند أغلبهم يحجب عن غيرهم كل ذلك.. التدخين متعة رجالهم والحلي الفضية والبلاستيكية متعة، نساؤهم والإنجاب يشعرهم جميعًا بوجودهم في دنيا الآدميين مهما كانت الأعباء..

هؤلاء يا سيادة الرئيس هذه حياتهم.. وللقرش لم يزل له عندهم قيمة ومعنى ورغم إدراكنا أعباء الإنفاق الحكومي وتراكمات السنوات العجاف وما سبقها من سنوات الفشل المركب ورغم إدراكنا أيضًا فلسفة توجيه الدعم فإن إعفاء هؤلاء من أي أعباء كان ضروريًا.. يكفيهم ما فيهم.. فقد تركوهم سنوات طويلة بلا مياه نظيفة ولا شوارع مرصوفة ولا إنارة صحيحة وصحية في شوارعهم وحاراتهم وأزقتهم وبلا أدوية ضرورية في مستشفياتهم الحكومية.. ومع ذلك هم دائمًا أول من يكون مع الوطن وأول من يسددون ضرائبه وأول من وعدت بحمايتهم..

ورغم علمنا أيضًا أن جزءًا من إعادة توجيه الدعم بات يرجع إليهم خدمات ومستحقات فإن استثناءهم كان واجبًا فإن كان استهلاكهم بسيطًا فقيمة الدعم بسيطة أيضًا يمكن تحملها تحت أي بند.. استثناؤهم واجب فيكفيهم ما فيهم ويكفيهم ما هم فيه.. البؤس عنوانهم والفقر معيشتهم والبقاء على قيد الحياة أسمى أمانيهم !
اللهم بلغت اللهم فاشهد..
الجريدة الرسمية